دائما ما تحاول السلطة في العادة من السيطرة على قنوات الرأي العام والإعلام وذلك بهدف بث خطابها السياسي، والذي في أغلب الأحيان ما يكون عبارة عن بيع للوهم والأوهام.
ولكن دائما ما يكون ايضا هناك من يقف لها بالمرصاد، ويكشفها من خلال تفكيك هذا الخطاب السلطوي، ولعل الاحداث الاخيرة التي عصفت بالكويت خير دليل ومؤشر على ذلك.
فعندما ارتفعت الاصوات المنادية بوجوب التحول الديمقراطي الحقيقي واقرار ما يعرف بنظام الحكومة المنتخبة، قامت السلطة بتوجيه خطابها لمواجهة تلك الاصوات، وذلك عن طريق خطاب كان ابرز مفرداته التخوين وضعف الانتماء وما إلى ذلك، وحتى لو كان بصورة غير مباشرة، ووجهت الاتهامات للمنادين بالحكومة المنتخبة بأنهم كذلك مؤزمون ومزدوجون ويسعون إلى ضرب النسيج الاجتماعي والتخريب وغيرها من الاتهامات، وحاولت ايضا بأن تحقر تلك الجهود المنادية بمزيد من المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار عن طريق اقرار الأحزاب والحكومة المنتخبة، من خلال استخدام وحشد كل أدواتها من وعاظ السلاطين وأبواقها وقنواتها الإعلامية الفاسدة، اي ان خطابها كان قائم على التشكيك بالآخرين.
للأسف لم تتعامل السلطة باحترافية وعقلانية مع هذه المطالب الداعية لتطبيق الحكومة المنتخبة، حيث تبرز مكامن العمل الاحترافي والعقلاني في السعي الحثيث لمعرفة ما هي الاسباب التي أدت لتلك المطالب؟ وهل هذه المطالب مستحقة؟ وهل في حال تطبيق الحكومة المنتخبة ستتحسن الامور؟ وهل ذلك في مصلحة الكويت العامة؟ ان تلك التساؤلات من شأنها ان ترسم لنا صورة واضحة حول موضوع الحكومة المنتخبة ومدى جدواها.
وبذلك سأحاول في السطور القادمة الرد على الخطاب السلطوي المشكك في تلك المطالبات واصحابها، لان خطابها من وجهة نظري الشخصية ما هو إلا انعكاس لتفكير يحاول السيطرة على مكاسب مادية معينة اي ان المصلحة هنا تدور في فلك الشخصية لا العمومية. كيف ذلك؟
كلنا يعي وبعد اكثر من 50 سنة من وضع الدستور، ان الأوضاع في الكويت تزداد سوءا، على مستويات عدة، فكيف يعقل ان بلدا تعداد مواطنيه تقريبا 1.2 مليون نسمة يعاني من مشكلة إسكانية، حيث انه لدينا ما يقارب 100 ألف اسرة كويتية لا تملك مسكنا في ظل تدفقات مالية ضخمة تتمتع بها البلاد؟! كيف يعقل كذلك ان تكون الخدمات العامة بهذا التردي الكارثي؟! المستشفيات الحكومية متهالكة، وجودة التعليم في انحدار، والمرافق التعليمية محدودة، السلطة تبني المدن الجامعية في اليمن وسريلانكا ومنغوليا وفي الكويت لا يوجد الا جامعة واحدة يتكدس بها طلاب الكويت، مع العلم ان الحاجة ماسة لإنشاء جامعة اخرى، لدينا اكثر من 30 ألف طالب كويتي يدرس خارج الديار، اضف الى ذلك تفشي الفساد، فهل تعلم ان نحو 82٪ من القضايا المتعلقة باختلاسات المال مصيرها للحفظ كما حدث في قضية الإيداعات والتحويلات، اضف الى ذلك أيضا غياب مفهوم المواطنة واختلاق مشكلات تضرب النسيج الاجتماعي، الجويهل وسحب الجناسي مجرد أمثلة، ماذا حدث لمسارحنا، والحركة الثقافية، ودور المدرسة بالتنشئة، بيئة اقتصادية تحتكرها خمس عوائل تجارية متحالفة مع السلطة، هي من تحتكر المناقصات والامتيازات الاقتصادية، تهميش اجتماعي واضح، الكويتيون البدون مجرد حالة، وتهميش سياسي آخر لكل معارض، محسوبية منتشرة، ضعف السياسات، وجهاز إداري مترهل تغزوه أمراض البيروقراطية، قتل روح المبادرة والابتكار، وغياب الشفافية والافصاح، وغيرها الكثير من المظاهر.
فهل بعد كل ذلك ليس من حقنا ان نطالب بحكومة منتخبة كحل وبديل ينتشلنا من ذلك الواقع المزري، أليس في البلاد من هم مؤهلون قادرون على قيادة الدفة.
نعم هكذا يجب ان نرد ونواجه ذلك الخطاب السلطوي القائم على التشكيك والتخوين، الانجاز المفقود والفشل المستمر هو من دفعنا لنطالب بحكومة منتخبة، ليس من باب الترف، بل من باب إرساء قواعد المصلحة العامة، فمصلحة الكويت تبقى هي الأهم.
ويجب ان نعي جميعا بأن الانجاز هو المعيار الحقيقي لشرعية اي نظام سياسي، فلا شرعية دون إنجاز ، لان الشرعية تعني رضا المحكوم عن الحاكم، فلماذا لا تسعى السلطة لتقديم خطاب يدعو للحوار وإشراك الكفاءات لرسم خارطة طريق نهضوية، يكون شعارها العريض الانجاز، فالكويت إمكانيات وموارد وشباب، لماذا لا تنتهج السلطة نهج الانجاز بدل الاقصاء والتهميش، ألا تستحق الكويت منها ذلك؟.
إنني في هذا المقال أدعو السلطة لفتح صفحة جديدة، تهدف إلى تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية، وتحقيق متطلبات التقدم والازدهار، فبلدنا جميل ورائع ولكنه متعب ومريض، يحتاجنا جميعا لمعالجته ووضعه على الطريق الصحيح مره أخرى.
ولكن كما يقال:
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي