استضافتنا السيدة منتهى الرمحي ضمن برنامجها الشائق «بانوراما» على قناة العربية للحديث حول مستجدات العلاقات السعودية – العراقية في ظل مطالبات بعض القوى السياسية العراقية بإغلاق السفارة السعودية في بغداد واتهام المملكة بأنها هي التي تقف خلف الإرهاب في العراق وان أغلب قوى «داعش» في العراق من الشباب السعودي!
***
مما ذكرناه في اللقاء أن فتح سفارة سعودية في العراق كان مطلبا عراقيا رسميا أتى عام 2004 على لسان رئيس الوزراء آنذاك د.إياد علاوي، لذا لا يجوز لوم المملكة إن لم تفتح سفارة ولومها مرة أخرى إن فتحت سفارة، وهو أشبه بما حدث للكويت حين بادرت فور تغيير النظام في بغداد عام 2003 بإرسال قوافل المساعدات للعراق وبدلا من الشكر تم الهجوم على تلك القوافل، واتهمت الكويت بأنها تقف خلف سرقة آثار العراق (ثبت لاحقا أن من سرقوا تلك الآثار لم يأتوا من خارج العراق) وانتهى الموقف في حينه بأن تلام الكويت إن لم تساعد العراق، وتلام إن ساعدت ولم تعلن عن مساعداتها سيقال كيف لنا أن نعرف عن تلك المساعدات؟، وتلام ثالثة إن ساعدت وأعلنت حيث يقال ان في ذلك منّة لا تجوز، وواضح منذ البدء أن هناك أطرافا لم ترد أن تكون هناك قط علاقات عراقية – خليجية أو عربية متميزة.
***
وقد ذكرنا في اللقاء بعض الحقائق التي تمس العلاقة السعودية – العراقية منها ان حاجة العراق للسعودية أكبر بكثير من حاجة السعودية للعراق، وان بلاد الرافدين وهي تعاني من إشكالات سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية بحاجة للإكثار من الأصدقاء لا زيادة الأعداء، وعدم منطقية أكذوبة ان المملكة هي التي تدعم تنظيم داعش الارهابي، فالحرب بين المملكة و«داعش» على أشدها ويراها حتى الأعمى، كما لا يمكن لقلة من الشباب السعودي الذين يتهمون بأنهم أغلبية رجال داعش بالعراق أن يحققوا كل تلك الانتصارات على الجيش العراقي ويستولوا على ثلث العراق ويحتلوا أكبر مدنه كالموصل، فواضح أن الأغلبية المطلقة من تنظيم داعش بالعراق هم من العراقيين المنتمين لرجال الاستخبارات والجيش والأمن في النظام الصدامي ومعهم ميليشيات فدائيي صدام، كما أن دلالات محاربة المملكة لذهاب الشباب السعودي للعراق واضحة وضوح الشمس، ومن شواهدها التي لا تخطئها العين بناء السور العملاق الفاصل بين البلدين وصدور فتاوى من هيئة الافتاء الرسمية بتحريم دعاوى الجهاد في العراق وغيره دون إذن رسمي من ولي الأمر، وإصدار تشريعات تجرِّم من يشترك في حروب الأمم الأخرى وهو تشريع يحتاج البرلمان العراقي لإصدار مثله، حيث إن هناك الآلاف من الشباب العراقي ممن يشاركون في حروب الدول الاخرى كسورية واليمن ولبنان.. إلخ.
***
ومن المؤسف أن تتبنى بعض التوجهات السياسية العراقية التي تدعي بالعلن معاداة نظام صدام، جميع دعاويه، فهو أول من بادر المملكة بالعداء وهدد حدودها واحتل مدينة الخفجي وضربها بالصواريخ، وهو أول من روج لدعاوى تقسيم الدول بالمنطقة عندما دعا لتقسيم المملكة التي وحدها الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، عبر تسميتها بأرض نجد والحجاز، فما الفارق بين صدام ومن يدعي معاداته؟! إن القاسم المشترك بين تلك التوجهات السياسية المخادعة والتوجهات الصدامية السابقة هو عملهم الدؤوب وعبر توزيع الأدوار بينهم لتدمير العراق من الداخل عبر بث الفتن بين أبنائه، ثم الاساءة لعلاقاته مع الدول التي تستطيع مساعدته للنهوض وحل مشاكله وعلى رأس تلك الدول المملكة العربية السعودية والدول الخليجية التي لا يأتي منها إلا كل خير!
آخر محطة:
(1) في الخلاصة، ان عروبة العراق ليست في خطر والعراق لن ينسلخ قط عن محيطه العربي فهو كان ومازال قلب العروبة النابض، وقد تطرقنا في مقال سابق إلى «كيف وحدت وآخت ثورة العشرين الخالدة بين العراقيين من أقصى الشمال، حيث الموصل الى أقصى الجنوب حيث البصرة مرورا ببغداد؟».
(2) ودلالة تاريخية أخرى، فما إن حدث العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حتى هاج وماج واضطرب وأضرب، وتظاهر الشعب العراقي نصرة لمصر، وفي 1956/11/24 وبينما طلبة مدرسة الخورنق بالنجف يدخلون الى مدرستهم وهم ينشدون الأناشيد الحماسية تأييدا لمصر حتى دخلت عليهم القوات الأمنية وبدأت بإطلاق النار على الطلبة، فجرح وقتل العشرات وكان ممن استشهد فداء لمصر الطالب عبدالحسين حفيد العلامة النجفي السيد حسين الحمامي، وخرجت على اثر ذلك المظاهرات الحاشدة في بغداد والموصل وأغلقت المحلات نصرة للنجف، ورفع السادة محسن الحكيم وعلي بحر العلوم وعبدالكريم الجزائري وحسين الحمامي العرائض ضد ما حدث وسقطت الحكومة واضطر رئيسها نوري السعيد لتقديم استقالته، وخلال عام ونصف العام تم قتله وسحله.
ولن تموت العروبة بالعراق وهناك عرق ينبض في شرايين العراقيين!