“أزمة الكويت”، كما تعرف في أدبيات العلاقات الدولية، والتي نتجت عن رفض الزعيم العراقي عبدالكريم قاسم استقلال الكويت في يونيو ١٩٦١، شكلت الكثير من ملامح النظام السياسي الفريد للكويت المستقلة. وبغض النظر عن التفاصيل، إلا أنه ثبت بالدليل القاطع أن سلوك قاسم الأهوج، ومن بعده سلوك صدام، كانا قد تما بالسر، وبشكل فردي.
ما إن أعلن الاستقلال، حتى بعث قاسم في ٢١ يونيو ببرقية للشيخ عبدالله السالم قال في جزء منها:
“سيادة الأخ الجليل عبدالله السالم الصباح – الكويت
علمت بسرور بأن الإنجليز قد اعترفوا بالغاء الاتفاقية المزورة غير الشرعية، وغير المعترف بها دوليا، والتي سموها اتفاقية ١٨٩٩ بعد أن عقدوها بالباطل مع الشيخ مبارك الصباح، قائمقام الكويت التابع لولاية البصرة، دون علم إخوته في الكويت، ودون علم السلطات الشرعية في العراق آنذاك. وقد سبق للشيخ حمود أن رفض التوقيع عليها أو تنفيذها، الأمر الذي اضطر الإنجليز على تهيئة شهود الزور من عملائهم، للتصديق على توقيعها. فالحمد لله الذي هو وحده ينقذ العالم من التبعية والاستعمار، ومن جريمة الكفر بحق العرب والمسلمين، وبحق الوطن وبحق إخوانكم في العراق… ونؤكد لكم أننا سنبقى ونحن إخوانكم في الجمهورية العراقية الخالدة، لا تنطلي علينا خدعة الاستعمار، وسنظل نعمل بقوة وعزم لنصرة العرب والمسلمين… وختاما فإننا نرجو لشخصكم الكريم بالذات ولإخواننا الكرام أهل الكويت الشقيق كل خير وتقدم ورفاه”.
لم تكن مضامين البرقية تبشر بالخير، فكان رد عبدالله السالم على نفس النمط بالبرقية التالية:
“سيادة الأخ اللواء عبدالكريم قاسم-بغداد
تلقيت برقيتكم التي أعربتم فيها عن شعوركم بمناسبة إلغاء اتفاقية ١٨٩٩. تلك الاتفاقية التي قطعت الكويت من بعدها مراحل واسعة في المضمار العالمي والدولي، بحيث أصبحت والحمد لله دولة عربية فتية كاملة السيادة والاستقلال. ونحن إذ نعتز بما وفقنا الله إلى تحقيقه، وتم الوصول إليه من اعتراف باستقلال وسيادة الكويت البلد العربي، لواثقون تماما بأن الدول العربية جميعها لاسيما الدول الشقيقة المجاورة ستساعدنا فيما عقدنا العزم عليه، وهو المحافظة على هذا الكسب الدولي، الذي لا يعد كسبا للكويت فحسب، بل هو كسب للدول العربية جميعا… وإننا ننتهز هذه المناسبة لنعرب عن عميق احترامنا لشخصكم الكريم، وعن أطيب تحياتنا لإخواننا الكرام أهل العراق الشقيق، وفق الله الجميع إلى الخير والتقدم والرفاهية”.
إلا أن الأزمة لم تقتصر على برقيات، بل دخلت حيز الفعل بعد ٤ أيام فقط، ففي عصر ٢٥ يونيو، عقد قاسم مؤتمراً صحافياً، أعلن فيه ضم الكويت للعراق، وأن معاهدة ١٨٩٩ كانت مزورة مقابل ١٥ ألف روبية، وأن العراق سيطالب بكل شبر من أرضه، وأنه سيصدر قراراً بتعيين عبدالله السالم قائمقام تحت ولاية البصرة، وغير ذلك من عبارات إنشائية، استعراضية، وبسرعة تحولت الأزمة إلى إقليمية ثم دولية، وفي وسط تلك الأحداث ولدت السياسة الخارجية الكويتية، على غير موعد.