ربما كان الشيخ عبدالله السالم هو الحاكم الوحيد الذي تعاقبت عليه ثلاثة أنظمة عراقية مختلفة ومتباينة. فقد عايش نظام الحكم الملكي لثماني سنوات، عانى فيها الأمرين من تحركات نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي، الذي ضغط لضم الكويت للاتحاد الهاشمي العربي، المكون من العراق والأردن، حتى جاء انقلاب عبدالكريم قاسم ليطيح بالحكم الملكي. وكان عبدالله السالم من أوائل المهنئين بالانقلاب/ الثورة، فقد أزاح عن كاهله عبء نوري السعيد المقرب من البريطانيين. حاول نوري الهروب بتنكره بلبسه عباية، وقيل دون دليل بأن الأغنية الشهيرة “يا أم العباية” كانت عن نوري السعيد، إلا أن الجانب المأساوي في تلك الحكاية غير خاف، حيث تم سحل جثته، وأفراد آخرين من الأسرة المالكة ومقربين منها. عايش عبدالله السالم حكم نظام عبدالكريم قاسم لخمس سنوات أيضاً عانى فيها الكثير من الضغوطات، وبالذات بعد إعلان استقلال الكويت في يونيو ١٩٦١. حينها أعلن قاسم أن الكويت “قضاء سليب” كان تابعاً لولاية البصرة العثمانية، على أساس أنه وريث شرعي للعثمانيين. كان قد فعل ذلك دون إبلاغ المقربين له بما في ذلك وزير خارجيته المعتق حينذاك هاشمجواد، وقد تصرف صدام بسلوك مشابه قبل غزوه الكويت سنة ١٩٩٠. كما تمكن قاسم من منع الكويت من عضوية الأمم المتحدة عن طريق علاقته بالاتحاد السوفياتي الذي استخدم حق النقض الفيتو ضد الكويت. أطيح بقاسم في انقلاب قام به البعثيون بنسختهم الأولى في ١٩٦٣، وتم قتله في مكتبه وتم عرض جثته بالتلفزيون. فعايش عبدالله السالم نظاماً سياسياً عراقياً ثالثاً مدة سنتين أخريين حتى توفاه الله في نوفمبر ١٩٦٥. ومع أن الشيخ أحمد الجابر، كان قد حكم البلاد ضعف المدة تقريباً التي حكمها الشيخ عبدالله السالم إلا أنه تعامل فقط مع العراق الملكي، ومع أنه تعرض لضغوط مختلفة من جهة العراق، إلا أن حدتها وطبيعتها كانتا مختلفتين. بل إن الضغط الأشد الذي واجهه أحمد الجابر لم يكن مصدره العراق فحسب، بل كانت بريطانيا حين اقتطعت في سنة ١٩٢٢، وخلال ما عرف بمؤتمر العقير ثلثي مساحة الكويت، فبعد أن كانت مساحة الكويت تقارب ٥٤ ألف كيلومتر مربع انكمشت إلى ١٨ ألف كيلومتر مربع، ومع أن وقع ذلك كان قاسياً على أحمد الجابر إلا أنه لم يستطع فعل شيء. وحين أبدى اعتراضه للمقيم السياسي البريطاني حينذاك بيرسي كوكس، رد عليه كوكس بأنه من الأفضل لكم أن تقبلوا اقتطاع ثلثي مساحة بلادكم سلمياً وإلا قد يقتطعها جيرانكم بالقوة، هكذا كان.
ولذلك كان الإعلان عن الاستقلال يتطلب حذراً شديداً جداً. “أزمة الكويت”، بدأت برسالة من قاسم إلى عبدالله السالم، كانت فيها رائحة الأزمة كما سنرى.