مع حلول شهر رمضان قد تجد الكتابة نمطاً آخر، عن زمن عبدالله السالم، خاصة أننا نقترب من الذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال، ففيها وخلال أحداثها تمت صياغة معالم الكويت الحديثة، بإيجابياتها وسلبياتها.
في تمام الساعة التاسعة صباحا، في قصر السيف، وبحضور الشيخ عبدالله السالم، والمقيم البريطاني في الخليج وليام لوس، والمعتمد السياسي البريطاني في الكويت جون ريتشموند، استقلت الكويت عن بريطانيا في ١٩ يونيو ١٩٦١، حيث تم استبدال اتفاقية حماية ١٨٩٩ بين بريطانيا والكويت، باتفاقية صداقة لتصبح الكويت بعدها “دولة مستقلة ذات سيادة”، وبذلك صار جون ريتشموند أول سفير لبريطانيا بالكويت. وعلى أثر ذلك أعلن رئيس الوزراء العراقي حينذاك عبدالكريم قاسم أن الكويت ليست إلا قضاء تابعاً لولاية البصرة، بحجة أن العراق الحديث وريث للإمبراطورية العثمانية، وهي وراثة غير مستحقة على أي حال. “أزمة الكويت” تلك تكونت من خمس محطات: إعلان الاستقلال، فتهديد بالضم، فدخول منظمات إقليمية ودولية على الخط، فإنزال عسكري من دولة كبرى هي بريطانيا، فدخول جيش عربي ومغادرة الجيش البريطاني. ومع أن الدراسات المتعمقة للوثائق البريطانية أثبتت أن الأزمة كانت مفتعلة، شارك فيها قاسم والبريطانيون، وعلى رأسهم سفير بريطانيا ببغداد همفري تريفليان، إلا أن “أزمة الكويت” ظلت حالة تقليدية مهمة في أدبيات العلاقات الدولية ومازالت.
كان الشيخ عبدالله السالم رحمه الله (حاكم الكويت من ١٩٥٠ حتى ١٩٦٥) حينذاك محوراً للأحداث المتسارعة التي تطلبت إدارة متأنية، صبورة، متفاعلة مع التداعيات بتكاتف وطني ملحوظ، ودعم كبير من الأصدقاء العرب وغير العرب.
كان موقع عبدالله السالم متفرداً، متميزاً، مؤثراً، على مجريات الأحداث، سواء كان ذلك قبل توليه الحكم (رئيس المجلس التشريعي سنة ١٩٣٨)، أو منذ بداية توليه الحكم (البدء بانتخابات مجالس متخصصة ١٩٥١) أو (محاولة لم تنجح لإنشاء مجلس منتخب في منتصف الخمسينيات) أو تخطيطه لاستقلال البلاد، ومما تبع ذلك من أحداث دراماتيكية إبان الاستقلال ثم نجا بالدستور.
الحديث عن الاستقلال وما أنجبه، فيه الكثير من الانعكاسات على وضعنا القائم، فظروف الاستقلال جاءت بالدستور، الذي صار النظام الأساسي للدولة، بإيجابياته وسلبياته، وهنا سنسعى لرواية الحكاية، كما صارت، لا كما نريد لها أن تكون.