بدأت بعض القوى السياسية استعداداتها لخوض انتخابات 2017 بعد مقاطعة دامت جولتين سابقتين على خلفية إصدار مرسوم الصوت الواحد، وبمجرد إعلان الشخصيات البرلمانية أو التيارات السياسية موقفها الجديد انهالت عليها الاتهامات والتعليقات الساخرة بما في ذلك إعادة نشر التصريحات القديمة الرافضة للمشاركة، وكل ذلك في إطار خلق أجواء الإحراج السياسي، وإظهار المعارضين لمرسوم الصوت الواحد بأنهم تنكروا لمواقفهم ومبادئهم.
الموقف العام من مرسوم الصوت الواحد تفاوت وفقاً لقناعات وتفسيرات دستورية وسياسية متعددة، فالبعض أنكر حالة الضرورة لتعديل النظام الانتخابي وتوقيته وأبعاده السياسية المتمثلة بتفتيت المعارضة ووضع نهاية للأغلبية البرلمانية التي تحققت في مجلس 2012 المبطل الأول، والبعض أعلن موقفاً قد يكون متسرعاً في حينه بالمقاطعة الأبدية أو لحين استبدال النظام الانتخابي من قبل مجلس الأمة باعتباره السلطة المخولة بالتشريع دستورياً، والبعض الآخر انتظر قرار المحكمة الدستورية لوضع حد للجدل والخروج من تلك الأزمة تبعاً لمرجعية قانونية عليا بغض النظر عن الموقف السياسي من نظام الصوت الواحد.
موقفنا الشخصي كان يميل منذ بداية صدور المرسوم إلى الرأي الثالث، القائل بضرورة احترام حكم المحكمة الدستورية، ورغم الملاحظات الكبيرة على عيوب الصوت الواحد ومساوئه التي عكستها انتخابات 2012 المبطلة الثانية وانتخابات 2013، سواء من حيث المبدأ أو من الناحية الموضوعية، فالنظام الجديد لم يقض كما روّج له على الاصطفافات الفئوية والطائفية والقبلية، بل عمّقها في الطول والعرض، كما أن الصوت الواحد لم يهذّب الخطاب السياسي داخل المجلس وخارجه، بل زاده سوءاً ودنواً في المستوى حتى بلغ القاع، وهذا النظام لم يساهم في وقف الفساد أو الحد منه، بل إنه “زاد الطين بلة”، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر فيه بشكل جذري، وتركيبة مجلسنا الحالي أو أي برلمان قادم في ظل استمرار المقاطعة لا يملك القابلية ولا حتى الإرادة في تغيير نظام الصوت الواحد، ولعل المشاركة الأوسع في أي انتخابات قادمة وبتشكيلة أفضل تعيد الأمل في تغيير هذا النظام السيئ.
إذا كانت بعض المواقف المتشددة في المقاطعة قد انقلبت رأساً على عقب فاتهمت بالتناقض، فإن ردود الفعل عليها من أصحاب الرأي الآخر لا تقل تناقضاً وسخافة، فهذه الأصوات كانت تعتبر المقاطعة خيانة وطنية، وكانت تناشد وتتحدى أحياناً خصومها من المقاطعين لخوض الانتخابات لمعرفة حجمهم الحقيقي، والعمل داخل المؤسسة التشريعية، فكيف اليوم تنقلب هذه الأصوات ذاتها، وتنادي باستمرار المقاطعة لمقاطعتهم والدعوة إلى الخيانة الوطنية؟
أصحاب الموقف الجديد من المقاطعين تقع عليهم مسؤولية تبرير موقفهم أمام الرأي العام الكويتي، وخاصة إذا ما نجحوا في بلورة خطاب وطني وسياسي جديد يتحاشى الأخطاء الجسيمة السابقة، والحكم على أطروحاتهم القادمة يكون من قبل الهيئة الناخبة، ولكن يبقى الأهم هو أن أي انتخابات قادمة يكون الهدف الأول منها التخلص من مجلس 2013 سيئ الذكر في مواقفه الكثيرة الخانقة للحريات، وإفراغ القوانين الحيوية من محتواها، وإضاعة هيبة أهم سلطة دستورية، وضرب الديمقراطية من الداخل، وأنه باختصار “مجلس قبّسه” زاد في عهده الفساد وأفلست الديرة مالياً وسياسياً، وسوف تكشف الانتخابات القادمة هذه الحقيقة بكل وضوح!