تعتبر معركة بناء الوعي العام عند الجماهير من أهم المعارك، التي يجب على التيارات السياسية خوضها، فصناعة الوعي ورفع مستواه هي واحدة من الوظائف الرئيسية للتيارات والأحزاب السياسية، وذلك من خلال ما تطرحه من رؤى وبرامج والتنافس حولها، أو عبر المواقف التي تتخذها، أو الأنشطة التي تقوم بها، أو حتى من خلال قيامها بدور المعارضة للحكومة القائمة، عن طريق استعمال مختلف الوسائل الاحتجاجية، أو الخطاب الذي تقدمه للناس باعتبارها بديلاً عن الحكومة القائمة، مما يفتح الأفق أمام الجمهور للمقارنة بين مختلف التيارات السياسية من جهة، أو بينها وبين الحكومة.
ولأن بناء الوعي يستلزم قدراً من السمو القيمي، فإن كثيراً ما تُتهم المعارضة في أي مكان بأنها مثالية في مطالبها وفي نقدها وتصورها لما ينبغي أن يكون عليه الوضع، ولكن هذه المثالية في موقع المعارضة تعتبر أمراً مطلوباً في أحيان كثيرة، لأنها ترفع من حساسية الناس تجاه الأخطاء التي تقع فيها الحكومة، وهذا بحد ذاته يساهم في الارتقاء بالوعي العام، كما يمثل تحدياً لأي حكومة لتحسين أدائها وكسب ثقة الناس، ففي الوقت الذي تملك فيه الحكومات كل أدوات الهيمنة والإخضاع، فإن الأداة الأهم عند التيارات السياسية هي بناء الوعي بين الناس، والمراهنة عليه، وهذا ما جعل الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو يذهب إلى «أن المعرفة لم تخلق لأجل الفهم، وإنما من أجل التكسير والحسم». متابعة قراءة التيارات السياسية.. ومعركة الوعي