كان من الممكن صرف النظر عن بيان “الأغلبية” بمجلس إدارة جمعية المحامين حين هللوا لمشروع وزير العدل بشأن إنشاء مجلس الدولة، ونقول حال هذه الجمعية من حال بقية جمعيات القطيع بالدولة التي لا حول لها ولا قوة، فهي ولدت من نفقة السلطة وتحيا من هباتها وأريحيتها، لكن هنا الموضوع مختلف، فليس الأمر متعلقا فقط بخلق قضاء إداري للنظر في القضايا التي تكون الحكومة طرفاً فيها، والتي هي ذاتها السبب الأول والأخير في تأخير البت بالقضايا حين يطلب محامو إدارة الفتوى الأجل بعد الأجل من المحكمة حتى تزود وزارات الشخير إدارة الفتوى بالمعلومات، وليس بسبب عمل القضاء الحالي كما يبرر وزير العدل.
القضية التي تتجنب الإشارة لها جمعية “قبة البرلمان” هي مأساة أحمد الجبر وعبدالله البرغش وسعد العجمي ونبيل العوضي وعشرات “المواطنين” في عوائلهم وجدوا أنفسهم فجأة من دون هوية ولا وجود “قانوني” يحترم كيانهم وآدميتهم، ولم يكن بإمكانهم طرق أبواب القضاء بسبب قانون تنظيم القضاء الذي يحرم ظلماً على القضاء النظر بمسائل الجنسية، وحين قررت دائرة بمحكمة التمييز مؤخراً قصر مسألة السيادة على منح الجنسية لا سحبها، وفتحت نافذة الأمل لضحايا الظلم التشريعي جاءت أفكار معالي الوزير ومستشاري وزارته لتغلق منافذ النور عليهم بالمادة 16 فقرة ب، التي تحظر على مجلس الدولة النظر في قضايا الجنسية “كافة”، بكلام آخر الحظر هنا يأتي ليصادر سلطة حكم التمييز السابق ويحرم القضاء بصورة مطلقة حتى من النظر في مسائل سحب أو إسقاط الجنسية.
ماذا تقول الآن، جمعية المحامين التي يفترض أن تكون دون غيرها المبادرة للدفاع عن حقوق الإنسان وكرامات البشر وأن تكون في الطليعة بدعم حرية التعبير بعد أن بصمت بالعشرة على مشروع الوزير، وصدرت بيانها الهزيل والمضحك وشر البلية ما يضحك، ونادت بقصر النقاش في قبة البرلمان دون الصحافة، وكأنها تقول الحكومة وبرلمانها “أبخص” في القضايا العامة!
وزير العدل يذكرنا بالسوابق التاريخية لمجلس الدولة بمصر وفرنسا، ولا نختلف هنا، ربما، على ضرورة مجلس الدولة حين يستشار ويشارك مجلس القضاء الكويتي في أمر يخصه دون غيره، مع أن القياس مع التجربة المصرية مختلف باختصاصات مجلس الدولة المصري، وتاريخ الأخير الذي راوح ما بين شج رأس العلامة عبدالرزاق السنهوري حين كان رئيساً لمجلس الدولة وحكم بغير رغبة السلطة بالسنوات الأولى لثورة 23 يوليو، وبين مراحل تاريخية متغيرة قيد بها سلطان ذلك المجلس القضائي بالاستبداد السياسي للسلطة الحاكمة دون نسيان تاريخ مذبحة القضاء عام 69، هذا أمر مختلف تماماً، لكن المثير الآن، هو تذكيرنا بتجربة مجلس الدولة الفرنسي!
قف قليلاً، يا معالي الوزير وتذكر أن وزيرة العدل الفرنسية السابقة كريستين توبيرا قدمت استقالتها من الوزارة في يناير الماضي حين طرحت الدولة مشروع قانون يقضي بسحب الجنسية الفرنسية عن أصحاب الجنسية المزدوجين، بعد أن يثبت إدانتهم بحكم قضائي نهائي بجرائم الإرهاب ضد الدولة، أكرر “حكم قضائي نهائي عن مزدوجي الجنسية”، استقالت “كريستين لما اعتقدته أن ذلك المشروع يعد افتئاتاً على حقوق الإنسان… فأين أنت ومشروعك الذي يغل يد القضاء في مسائل الجنسية ويبارك الهيمنة المطلقة لحكومة البخاصة” بقضايا الجنسية! أين نحن من فرنسا؟ و”أنت وين وكريستين وين” ارتاح الله يخليك…!