في أكثر من مناسبة، وتحت عناوين مختلفة لمؤتمرات وندوات واجتماعات على المستويين المحلي والخليجي عقدت على مدى السنوات الخمس الماضية ولاسيما على صعيد مهددات الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، كنت انتهز الفرصة لتوجيه بعض الأسئلة لعدد من المسئولين الذين يحضرون تلك الفعاليات، وتحديدًا في شأن عدم جدية مكافحة الطائفية ومنابر التكفير، وعادة ما يكون الجواب: «كلنا ضد الطائفية والتكفير والتشدد… وكلنا مسئولون عن حماية مجتمعاتنا منها»، لكن على أرض الواقع، ليس هناك ما يبثت هذا الكلام مع شديد الأسف.
حتى الأسبوع الماضي، وتفاعلًا مع مقال :»المحرضون… المجرمون المسكوت عنهم» المنشور يوم السبت (21 مايو/ أيار 2016)، كان القراء الكرام يلتقون عند محور مهم وهو أن فئة الطائفيين والمحرضين – أيًّا كان انتماؤهم المذهبي – وكذلك التكفيريين والمتشددين وأهل التطرف، نشطوا في السنوات الأخيرة بشكل مثير للقلق على مستوى الخليج والوطن العربي والإسلامي، ففي هذه الحقبة التي تتطلب خطابًا دينيًّا معتدلاً ومسئولاً، وتحتاج إلى إعلام إنساني وطني جامع، تقافز التكفيريون والمحرضون والمتشددون بأسلوب (تجار الدماء) في وسائل الإعلام، ومنها وسائل إعلام خليجية وعربية وإسلامية رسمية للأسف، لكي يبثوا سمومهم! وكأن المطلوب منهم هو تمزيق المجتمع، مع أن السلطات قادرة على الوصول إليهم بكل سهولة، وليس المطلوب طبعًا التنكيل بالناس لمجرد الشك والظن، بل إنزال العقوبات وفق القانون على من تثبت عليه تهم تهديد السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية، لا أن يكون التطبيق مزاجيًّا على طائفة دون أخرى، ومذهب دون آخر.
تلك مصيبة كبرى… فلم نعد نجد في الفضائيات والإعلام العربي والإسلامي وجوهًا تبشر بالخير سواء من علماء الدين أو المفكرين أو المثقفين أو السياسيين والحقوقيين وأصحاب الفكر النقي، وكأن أولئك هم أنفسهم من يملكون وسائل الإعلام تلك ويتحكمون في أوقات بثهم وأوقات ظهورهم، والأغرب من ذلك، أن فعل الإعلام السيئ بخطابه المتردي بدأ يأخذ تأثيره البالغ… فحشود كبيرة من المشاهدين أو القراء، أصبحت تستدل بما تطرحه الفضائيات أو الصحف وكأنها براهين وأدلة، حتى أنك لتحزن حين تجد إنساناً مثقفًا متعلمًا ينقل معلومات خاطئة ويبني عليها ودليله هو: «مكتوب في تلك الصحيفة أو سمعته في تلك الفضائية»، أما جهده البحثي في التدقيق والتأكد والمراجعة، فهو صفر.
لقد كنا ومازلنا نرى في سلطنة عمان نموذجًا لامعًا في التعايش والسلم الاجتماعي وتطبيق الاحترام الحقيقي للأديان والمذاهب، ووجدنا أيضًا مخاضًا شديدًا لمواجهة حملات الطائفية والتكفير في دولة الكويت، والجهود لإخماد النار الطائفية المستعرة في سائر دول الخليج والعالم العربي والإسلامي ليس وفق الطموح… النار الطائفية تلك تزداد وتستعر أكثر فأكثر، والمتشددون لايزالون يحظون بالدعم ماليّاً وإعلاميّاً ولوجستيّاً، وهؤلاء يهددون حاضر ومستقبل أجيال الخليج والعالم العربي والإسلامي، فمعالجة الأزمة الطائفية تتحقق من خلال الإصلاح الحقيقي للدول، واستيعاب كل المكوّنات بعيداً عن التجزيء المذهبي والقبلي، وهو تجزيء طارد لمكونات أخرى لها حق العيش في وطنها، وكلنا نعلم أن الكوادر المشرفة من أبناء الخليج قادرة على صياغة مهام وآلية عمل مثل هذه الهيئة في شكل وثيقة تلتزم بها كل دول مجلس التعاون.
شخصيًّا، طرحت مرارًا قضايا وموضوعات متعلقة بالظاهرة (الطائفية المدمرة) في العالم العربي والإسلامي، فمن الاعتراف بكل صراحةٍ وشفافية، بأن المجتمع الخليجي يشهد تصاعداً مدمرًا لآثار الخطاب التكفيري والطائفي، والذي، وبكل صراحة أيضًا، كان يعمل وينتشر ويتصاعد في الإعلام الرسمي وفي الخطب والمحاضرات والمؤتمرات والملتقيات والإعلام الجديد والمواقع الإلكترونية بصورةٍ مسكوتٍ عنها من جانب الجهات الرسمية ذات العلاقة في دول مجلس التعاون، وعلى رأسها وزارات الإعلام ووزارات الشئون الإسلامية.
ولو أجرينا مسحًا بين الناس في العالم العربي والإسلامي بشأن آرائهم في ملاحقة ومعاقبة الطائفيين والمحرضين والتكفيريين والمتشددين وأصحاب الفكر المتطرف، لوجدنا النسبة الأكبر مع تطبيق القانون والعدالة بكل مقوماتها على من ثبتت عليه تلك الجرائم، لكن السؤال الذي نعيده مرارًا وتكرارًا للمسئولين في الخليج العربي تحديدًا :»طالما أنتم ضد الطائفية والتكفير والتشدد، لماذا يزخر إعلامكم بالمدمرين؟».. من الصعب الإجابة طبعًا.