لديّ مقاييسي الخاصة في معرفة مستوى الحكومة، في أي بلد أزوره. ومقاييس أخرى لمعرفة مستوى عقول الشعوب ومدى وعيها. ولا علاقة لمقاييسي بمقاييس المؤشرات العالمية المبنية على أسس معينة وحسابات دقيقة.
فانتشار القمامة في الشوارع، على سبيل المثال، أو تهالك الشوارع ذاتها، ورداءة المرافق العامة، وغيرها من مناظر الإهمال، توحي لي أن الحكومات الجاثمة على صدر هذا البلد فاسدة. أما ثراء المسؤولين، المتزامن مع فقر الشعب، فيكشف لي بدون أدنى بحث فساد السلطة وبؤس البلد.
ومن ناحية الشعوب، يمكن معرفة مستوى وعيها وثقافتها عبر أمور لا تدرسها الهيئات العالمية، منها؛ مسلسلاتها التلفزيونية، وطريقة أداء الممثلين أدوارهم، فإن كان المجرم يظهر دائماً وأبداً بشكل مرعب، ووجه مشوه مليء بآثار السكاكين، فالشعب المتلقي والمتابع لمثل هذه المسلسلات غلبان وبلا وعي. أما إن كان يظهر مرة بشكل مشوه، ومرة بشكل عادي، فتلك حسبة أخرى.
ولا أدري لمَ لا يزال بعض المخرجين العرب يصرون على أن يكون شكل المجرم في أعمالهم الفنية “قرصاني”، ضحكته المجلجلة قرصانية، وطريقة أكله قرصانية، وصراخه قرصاني، وهندامه قرصاني… مع أننا نشاهد أغلبية المجرمين، في عصرنا هذا، بملابس باهظة الثمن، وأشكال توحي بالوداعة والبراءة.
ومن خلال المسلسلات أيضاً، يمكن معرفة مستوى وعي الشعوب، من زاوية أخرى. فإن كان المخرج لا يزال يصر على استخدام الطريقة القديمة الساذجة لالتقاء البطل والبطلة، وبدء قصة العشق بينهما، إذ يصطدم أحدهما بالآخر، من دون قصد، فتسقط كتب الفتاة (لم أرَ لقطة مماثلة تسقط فيها كتب الشاب)، فينحني الشاب لالتقاط الكتب وهو يردد عبارات الاعتذار، فتكسو حمرة الخجل وجه الفتاة، وتنشأ علاقة العشق العاصفة بينهما. هنا يتملكني شعور الشفقة على الشعب، وأتمنى لو مسحت على رؤوس الناس، واحداً واحداً.
أما إن كان الشعب يتابع تلفزيون الدولة، فهو هنا يحتاج إلى علاج مكثف. وإن كان يتابع تلفزيون الدولة، ويصدق ما يقال وما يعرض فيه، ويصفق للمعارضين الذين يظهرون على شاشة تلفزيون الدولة، فمن الحصافة عدم إضاعة الوقت في علاج مثل هذا الشعب الميت إكلينيكياً! فتّكم بعافية.