المعايير المزدوجة لم يعد لها حدود في الكويت، ويشمل ذلك التعيينات والترقيات والمناقصات والعلاج بالخارج وتخليص المعاملات حتى مخالفات المرور، ولكن أن تسري الازدواجية على الموتى فهذا من أقبح الممارسات، بل إن طمس ذكريات الماضي الكويتي الجميل الذي صرنا نتغنى به لننسى واقعنا المر، قد يكون جريمة بحق تاريخنا واحترام رجالاتنا وبخس حقهم في التقدير والتكريم.
من شواهد هذه التخبطات الأسس والمعايير التي تعتمدها لجان المجلس البلدي في إطلاق الأسماء على المرافق العامة وشوارع الكويت تخليداً لمن قدموا خدمات جليلة للدولة، فقد نمى إلى علمي أن المجلس البلدي رفض مؤخراً إطلاق اسم المرحوم عبدالكريم أبل على أحد شوارع الكويت بحجة عدم توافر المعلومات الوافية عن هذه الشخصية، وإذا كان بالفعل أن أعضاء المجلس البلدي لا يعرفون هذا الرجل ولم يتكبدوا عناء البحث عن سيرته، فإن ذلك وصمة عار بمستوى التفكير والأمانة التاريخية بل بدرايتهم بتاريخ الكويت ورجالاتها.
باختصار شديد السيد عبدالكريم أبل، رحمه الله، من أسرة أبل والنقي والعبدالرحيم، وهي من الأسر العريقة التي شهدت تأسيس بدايات نشأة الكويت في القرن الثامن عشر، والتي اشتهرت بالتجارة والحرف المهنية، وتدرج المرحوم أبل ليكون أحد كبار تجار الكويت، الذي اختاره الشيخ أحمد الجابر ليكون الوكيل المالي الشخصي له وأمين الخزانة في عهده، أي ما يوازي اليوم منصب وزير المالية.
وحظي المرحوم بثقة الشيخ الذي ائتمنه على أمواله الخاصة وأموال الدولة، لدرجة أثارت غيرة البعض؛ فوشوا عند الحاكم متهمين إياه باستغلاله تلك الأموال، فما كان من السيد أبل إلا أن جمع تلك الأموال في أكياس وأرجعها إلى الشيخ أحمد الجابر وفقاً للسجلات الموثقة عنده، أي في العرف الحديث تقدم باستقالة مسببة، إلا أن ردة فعل الحاكم كانت تجديد الثقة به وإثناءه عن الاستقالة وبقاءه في مركزه حتى وفاته؛ ليتم تعيين ابنه أحمد ليكمل مسيرته بعد ذلك تكريماً له.
إطلاق أسماء الشخصيات على مرافق الدولة وخاصة الشوارع، فعلاً بحاجة إلى ضوابط وشفافية، خصوصاً بعد تحول الأمر إلى تلاعب ومصالح، وما نراه اليوم من هذا الكم الهائل من الأسماء، دون مزيد من التعليق، لا يحتاج إلى الإسهاب والشرح حول العشوائية في توثيق التاريخ، بدليل أن المجلس البلدي والدولة ككل لم تطلق اسماً واحداً من شهداء الكويت على أي من شوارعها، فإذا كان هذا هو الموقف والتقدير لمن ضحّى بدمه وروحه من أجل البلد وفي ساعات المحنة الحقيقية، فكيف يمكن أن نأتمن مثل هذه المؤسسات على إنصاف بقية أهل الكويت وفق معايير موضوعية، وأن نتأمل أنهم يعرفون معادن ومواقف الرجال، أمثال المرحوم عبدالكريم أبل والكثير من رجالات التاريخ وخدماتهم بحق بلدهم، ولكن يبقى أن نلقي مسؤولية ذلك على عناية الأخ مهلهل الخالد رئيس المجلس البلدي، ليس بحكم منصبه الرسمي وموقعه الوظيفي، بل لأنه أيضاً أحد أبناء أسرة كويتية عريقة هي الأولى بمعرفة الرجال؟!