من المفروض أن نشكر وزير العدل يعقوب الصانع والحكومة التي يعمل بها بعد توضيح الوزير للصحافة أن مشروع قانون مجلس الدولة الذي نشر بأدق تفاصيله كان مجرد تفكير “بصوت عال” من وزارته، ولم يعرض على مجلس الوزراء، ولم يصبح حتى الآن مشروع قانون!
أيضاً أكرر الشكر للوزير الصانع الذي قال إن حكومته تريد تفعيل مادة منسية منذ نصف قرن حول إنشاء مجلس الدولة، وأن هذه الحكومة، بصورة مجملة، يهمها “تفعيل مواد الدستور”!
“يحليل” الوزير الصانع الذي طمأننا بحرص “حكومته” على مواد الدستور وحقوق الأفراد وحرياتهم، ويبدو أننا في السنوات الأخيرة، وبعد ولادة مجلس مرسوم الصوت الواحد، نسينا معظم مواد الدستور، وليس المادة 171 فقط التي “تجيز” إنشاء مجلس دولة للنظر في القضايا الإدارية.
حقيقة لا نعرف نحن المواطنين كم نحن مدينون لهذه الحكومة ولكل الحكومات التي سبقتها منذ منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم بحرصها على تحقيق مواد الدستور و”تفعيل مواده”، كما يقول وزير العدل، فمرات عديدة ولأكثر من نصف قرن (من تذكير الوزير) نسي الشعب هذا الدستور، وعلّق أحكامه أحياناً، وتجاوزها بقوانين تضرب عرض الحائط بنصوص الدستور (على سبيل المثال المادة في قانون تنظيم القضاء التي تمنع النظر في مسائل الجنسية والإبعاد، ودور العبادة… إلخ) وغير ذلك من ممارسات قام بها الشعب بانتهاك مواد الدستور، فبادرت الحكومات المتعاقبة “لإعادة الأمور إلى نصابها”، وهذا تعبير أثير للتصريحات السلطوية المباركة، وأعادت تذكيرنا نحن الأطفال القصّر بالدستور، ذكرتنا بالدستور مع كل حل لمجالس الأمة، وذكرتنا به بقوانين النشر وحريات التعبير الرائعة، وذكرتنا به بتشريعاتها للأحزاب السياسية، وذكرتنا به حين أهدت باقات الورد للمتظاهرين السلميين، وذكرتنا به حين حاسبت بلا هوادة المتجاوزين على الأموال العامة، وكرمت النواب السابقين الذين لاحقوا تلك التجاوزات بهدايا القضايا الجزائية المتواصلة، وذكرتنا به حين سحبت جناسي عدد من المواطنين، وتذكرنا به أيضاً مع كل إطلالة جميلة بالصحف لمازن الجراح وهو يهدد خلق الله ويتوعدهم… صحيح كم ننسى كثيراً أفضال حكومات “شنو تبون بعد”؟
كل الشكر للوزير الصانع على اجتهاده، لكن هناك استفساراً بسيطاً للوزير منشط الذكريات، وهو ألا يعتقد معاليه أن 91 مادة لفكرة خلق مجلس الدولة، هي فقط لتمرير الفقرة “ب” من مشروع المادة 16 لمشروع الوزير التي تحظر على مجلس الدولة النظر “في القرارات الصادرة في كافة مسائل الجنسية والإقامة وإبعاد غير الكويتيين”… أشدد على كلمة “كافة”؟!
سؤالي للوزير منشط الذكريات الدستورية هو ما إذا كانت تلك المادة تريد إغلاق باب الأمل الذي فتحته إحدى دوائر محكمة التمييز أخيراً بقضية المواطن أحمد الجبر، حين اعتبرت سحب الجنسية مسألة تخضع لرقابة القضاء، أم لا؟ مجرد تساؤل للوزير لا أكثر، ليتك تجيب عنه بصراحة… وبصفتك محامياً، ليتك تنور المحكمة.
وكل الشكر مرة ثانية وثالثة للوزير المحامي وللمستشارين القانونيين حين فصلوا لنا 91 مادة بسرعة متناهية على المقاس الحكومي بالضبط، وفي الوقت المناسب.