الحقائب والأشلاء وقطع المقاعد التي طفت على البحر والأرواح المفقودة لا تعود لتروي المأساة. وقد شكل تحطم الطائرة المصرية القادمة من مطار شارل ديجول في باريس إلى القاهرة الخميس الماضي بعد دخولها المجال الجوي المصري، مأساة أخرى. إنها الحادثة الثالثة في غضون سبعة أشهر التي كان العامل المشترك بينها جميعا هو مصر، ما يشرع الباب تجاه المزيد من الأسئلة والتكهنات في واقع معقد. وجه اللوم بشكل كبير سابقا على الثغرات الأمنية المصرية في تحطم الطائرة الروسية في سيناء، المغادرة من شرم الشيخ إلى سان بطرسبرج في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وقد أكد لاحقا أنه فعل إرهابي. وقد اعتبر بيان “داعش” في حينها محض دعاية إلى أن أكد رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أن مخلفات مواد متفجرة وجدت في حطام الطائرة، وأقرت بذلك لاحقا مصر على لسان الرئيس السيسي. وقد كان بطبيعة الحال سببا ترك ندوبه العميقة على الاقتصاد المصري المعتمد على السياحة، فقد قررت روسيا على أثره وقف كل رحلاتها الجوية المدنية إلى مصر التي تعد مقصدا للسائحين الروس، كما فعلت كذلك شركات طيران بريطانية بناء على توصية من الحكومة البريطانية.
أما الآن فالطائرة قادمة من باريس وهذا ما يثير أسئلة حيوية أخرى، أولا حول أمن الطيران وأنظمة السلامة في المطارات الدولية، وثانيا حول حقيقة الحادث، الذي لا يمكن إن كان مدبرا فعلا إلا أن يكون معقدا على مستويات أمنية وسياسية. كما لم تتبن أي جهة إرهابية حتى الآن تولي هذا الحادث. يشارك محققون فرنسيون متخصصون في الطيران مع مستشارين فنيين من شركة إيرباص في تحقيق تقوده مصر. لم يعلن بعد بطبيعة الحال سبب الحادث ونتائج بحث السيناريوهات المحتملة فما زال الوقت مبكرا طالما لم يكشف بعد عن تسجيلات الصندوق الأسود الذي قد يفك اللغز. لكن هناك عدة آراء ترجح الهجوم الإرهابي على أي احتمال آخر، من بينها رأي وزير الطيران المدني المصري ورأي مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، إضافة إلى عدد من المختصين في الطيران رجحوا إما إمكانية اختراق النظام الأمني في شارل ديجول أو حتى زرع قنبلة في مطار أسمرا في إريتريا ضمن الرحلات السابقة للطائرة قبل يوم واحد. كما أن هناك آراء تقول إن جهاز مخابرات ما قد يكون وراء قطع اتصال الطائرة بأجهزة الرادار، لكن مثل تقنيات الاختراق هذه تتطلب إمكانات تكنولوجية متقدمة. وقد سبق أن نشرت صحف فرنسية عن التهديد الأمني داخل المطارات الفرنسية سواء من موظفين أو من شركات خدمات. الجدير بالذكر أن اثنين من انتحاريي باريس كانوا يعملون في مطار بروكسل. ويبقى المثير في المسألة مع انتظار النتائج أن حيثيات وتداعيات القضية الآن شائكة حتى أكثر من أي وقت مضى.