كتبنا في مقال الأمس ان سر تفوق اليهود يعود الى إيمانهم بأهمية الحريات في حياة الإنسان، والدينية بالذات، ولاهتمامهم الشديد بتلقي العلم، والعلم والحرية لا يفترقان، ولا يمكن تصور علم بلا حرية!
ومن المعروف أن قوانين وأعراف غالبية الدول العربية الإسلامية تمنع المسلم من الخروج عن دينه.
وكلمة الخروج هنا أكثر دقة من كلمة ارتداد الشائعة. ولكن كل هذه الدول تغاضت عن حقيقة أن مئات الآلاف ــ إن لم يكن الملايين ــ خرجوا من الإسلام على مدى 1400 عام، يوم لم تكن هناك قوانين ولا انظمة تمنعهم من ذلك، وحتى ما قبل نصف قرن، ومع هذا لم يتأثر الإسلام ولا المسلمون ولم يتناقص عددهم يوما، بخروج هؤلاء من الملة، بل العكس كان أقرب للصحة، فالجسم يصبح اكثر قوة بخروج «الفضلات» منه!
وبالتالي يمكن القول إن السبب الرئيسي ـــ في نظري ـــ في تخلف المسلمين يعود الى كل ذلك الخوف الذي يسيطر على حياتهم، ويجعلهم يعيشون في رعب مستمر، معلن وواضح وخفي.
وعليه، فإن ما ينقص المسلمين هو الحرية، والمزيد منها، لكي يبدعوا، وهذا ما رأيناه في العصر العباسي، عندما أبدع المسلمون علميا، ولأول وآخر مرة. وبالتالي فإن من أراد الخروج عن الإسلام فليذهب في «ستين داهية» فالدين، اي دين ليس بحاجة الى من لا يؤمن به، ويجب ألا يكون هناك إجبار، لأي فرد، على أن يبقى ضمن جماعة دينية لا يريدها!
كان لافتا حجم البرود والتجاهل الذي قوبل به قرار محكمة ماليزية، في سابقة هي الأولى من نوعها، عندما أصدرت، بموجب مادة دستورية، قرارا بالسماح لمواطن ماليزي مسلم باعتناق المسيحية، لكون الأمر حقا أساسيا من حقوقه في اختيار دينه. وأعتقد أن سبب تجاهلنا للخبر يعود لخوفنا حتى من الحديث في أمور تعتبرها شعوب العالم الأخرى «جميعها» من الأمور البديهية، التي نصت عليها مواثيق دولية وقعت عليها «كافة» الدول الإسلامية، وبالتالي من المهم التأكيد ثانية أن سبب كل مآسينا ومشاكلنا وتخلفنا يعود لانعدام أجواء الحرية الفكرية والعقائدية والسياسية في دولنا، مع انفلات اقتصادي فوضوي. فمتى ما اختفت الحريات اختفى معها الإبداع.
وبالتالي نحن بحاجة الى التفكير بالمنطق، وليس بالعاطفة الصبيانية، وأن نفتح الأبواب على الحريات جميعها، وندع من يريد أن يؤمن أو لا يؤمن لحاله، فلسنا أوصياء على أحد، طالما ان حرياتهم لم تؤثر في حرياتنا وحقوقنا الإنسانية الأساسية.
والإسلام، كعقيدة دينية يتبع تعاليمها مليار ونصف المليار من البشر ليس بحاجة الى بضعة آلاف من الراغبين في الخروج منه، فهم اصلا خارجون، قولا وفعلا. كما ان المنطق يقول إن ما ستجنيه دولنا من إشاعة أجواء الحريات المختلفة، ومنها الدينية، أكبر بكثير من سلبيات القرار. فالخسارة العددية المفترضة، بخروج البعض، لا تبرر كل هذا التشدد والانغلاق، فوضعنا العلمي والاقتصادي والحضاري سيئ للغاية، ونحن بحاجة الى الخروج من هذا المأزق.