نحن نعيش زمن المتناقضات الحادة، لا بل الحادة جداً.
ففي زمن “داعش” وأخواتها، بطرحها المتطرف جداً، والرافض لدول المنطقة، وكل من يحمل فكراً إسلامياً آخر، دع عنك أصحاب الفكر غير الإسلامي، فالكل حلال جز رقبته كالخراف أو كالدجاجة، إن شئت، فالخيار بين رقبتين مجزوزتين. في ذات الزمن تخرج لنا أفكار أكثر تعايشاً مع نمط الدولة القومية. كان آخرها إعلان حركة النهضة التونسية، حسب رئيسها راشد الغنوشي، الفصل بين الدعوي والسياسي، وذلك في المؤتمر العاشر للحركة الذي عقد في مدينة رادس في القاعة الأولمبية. وصف الغنوشي حركة النهضة، من الآن وطالع، على أنها “حزب ديمقراطي وطني متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنهل من قيم الإسلام”. جاء ذلك بعد دراسة مستفيضة لتجارب تركيا والمغرب، ومصر. وكانت حركة النهضة، بتجلياتها المتنوعة، قد تعرضت منذ الثورة التونسية، إلى “إكراهات” متعددة، بين اغتيالات موجهة، راح ضحيتها شخصيات بارزة كشكري بلعيد ومحمد البراهمي، وزيادة وتيرة العنف والتشدد، وتهديد اقتصاد الدولة القائم على السياحة، وبالتالي إضعاف مشروع النهضة في الحكم. فكان لابد من إعادة التقييم.
يقول الغنوشي في حديث جانبي، أي فكر يأتي لتونس “يتتونس”، أي يتم تكييفه حسب الثقافة التونسية. تلك الثقافة التي كان للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة دور أساسي في صياغتها. ويبدو أن إدراكاً بأنه دون التكيف مع البيئة الحاضنة المختلفة عن غيرها، فلا يمكن للحركة أن تصمد أمام المتغيرات. إلا أنه ورغم أن النهضة وليدة بيئتها، فإن المراجعات ضرورية، وهي ما سيحسم البقاء أو التأرجح بين هاوية التسلط، أو الهروب إلى الأمام.
رئيس الوزراء المغربي عبدالإله بنكيران والأمين العام لحزب العدالة والتنمية سمعته يقول في ذات السياق “مغربنا الشاي الأخضر وحولناه لشاي مغربي خلافاً لأصله، فكذلك مغربنا الربيع العربي”.
الكلام سهل على أية حال، وببلاش، والمشككون كثر، والرافضون لفصل الدعوي عن السياسي داخل النهضة لهم تأثيرهم، وحضورهم. ولكنها خطوة مهمة، سيحكم عليها التاريخ، لا الجغرافيا، وربما قدرة الشباب على التأثير، للانطلاق إلى مجتمع أكثر توازناً، وأقل وصاية، وأكثر تسامحاً، وأقل عنفاً.