على رغم أن حجم المشاركة في وسم حملة «حساب_المحرضين» على شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني لا يبدو «هائلاً»، إلا أن الفكرة في حد ذاتها جريئة وتحظى بالتفاعل الملفت من جانب الخليجيين تحديداً دون غيرهم، بل ومن جانب أبناء السعودية أكثر من أية دولة خليجية أخرى.
أبرز المحاور التي طرحها، ولايزال يطرحها المشاركون في الحملة على حساب التغريد «تويتر» على سبيل المثال، وجهت خطاباً للحكومات الخليجية والعربية، وربما تأتي الحكومات الخليجية في المقدمة لأن كبار المحرضين يعيشون في هذه البلدان متنعمين وضحاياهم إما تحولوا إلى أشلاء أو قابعين في السجون، ولذلك فإن تأكيد داعمي الحملة على أن المحرضين هم السبب الرئيسي فيما آلت إليه أمتنا من خراب وتشريد وقتل ودمار ومازالوا يمارسون جريمة التحريض، ولابد من أن ينالوا جزاءهم لأنهم أجرموا وطغوا وأفسدوا وتاجروا بالدين ورموا بالشباب في التهلكة، بل إن الكاتب والباحث عبدالعزيز الخميس تساءل بوضوح: «اتهامات واضحة وأدلة ناصعة وضحايا أمامنا، ولا يتم التطرق لأسماء المحرضين ويتم فضحهم ولا أفهم لماذا لا يقدم المحرضون للعدالة؟»، زد على ذلك أن الشيخ سليمان الطريفي، وهو متقاعد من وزارة الشئون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية كتب تغريدة قال فيها: «قبل كل شيء، لابد من سن قوانين واضحة تتعلق بعدم التحريض خلال الأحداث في خطب الجمعة ووسائل الإعلام ثم بعد ذلك يُحاسب المحرضون»، لكن الغضب ضد أولئك يتواصل ويتضاعف ولاسيما من جانب الضحايا وذويهم، فالمحرضون والمتطرفون بين أولادهم وفي قصورهم مرفهون، ومن يصدقهم ليس أمامه إلا الموت.
والسؤال هو: «هل يمكن اعتبار الحملة ضد (المحرضين) على الإرهاب والقتل وسفك الدماء وتدمير المجتمعات عبر خطب الجمعة والمنابر والإصدارات ووسائل التواصل والمخيمات الدعوية واللقاءات السرية لتعبئة الشباب نحو الدمار… هل يمكن اعتبارها منطلقاً لإيقاف عدد كبير من المحرضين المعروفين في الخليج العربي عند حدهم؟ أم أنهم سيبقون تحت طائلة (المجرمين المسكوت عنهم)؟»، فمن الواضح جداً أن «أقطاب قوى ونفوذ» تدعم أولئك وتحميهم وإلا لما تجرأوا طوال هذه السنين على تهديد الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي بنشر الكراهية والتناحر الطائفي وتجميل الإرهاب للحاق بالحور العين والغداء مع النبي (ص) في الجنة فيما بإمكانهم ترقب النصر – قبل الشهادة – مادام أحدهم شاهد الملائكة تحارب معهم.
وتناغماً مع الحملة، جاء الفيلم الوثائقي «حساب المحرضين» على إحدى القنوات الفضائية العربية لينقل لقاءات مع ضحايا التحريض الإرهابي، فمئات المتورطين القابعين في السجون والذين يقضون أحكاماً بسبب عمليات إرهابية داخل السعودية وخارجها يقف وراءهم محرضون دفعوهم لهذا المصير، والتحريض كان يتم عبر خطب على المنابر وندوات ومواد سمعية ورسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومواد مصورة سوقوها تحت شعار يدغدغ المشاعر ويهيج الأرواح الفتية كنصرة المظلوم والبحث عن الشهادة.
ويلفت الفيلم إلى أن التحريض ليس حديث العهد، بل كان منتشراً منذ أيام «أشرطة الكاسيت» في المدن كافة، وتتضمن قصصاً خيالية لبطولات وخطب في المنابر تدفع الشباب لإعادة التفكير في مفهوم الجهاد، وبدأت الجماعات المتطرفة بتجنيد بعض الشباب المتأثرين بذلك الخطاب والاستعداد للعدو الوهمي الذي زرعوه في عقولهم، من قبيل شعارات ظهرت في الأفق ومنها: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»، ووفق ذلك، ونصرة للمظلوم وبحثاً عن الجنة والحور العين في العراق وسورية حسبما يردده المحرضون من خلال التحريض بشكل يومي عبر خطب حماسية، وصور ومقاطع ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي، تحدث أحد الضحايا.
يعترف الشاب بأنه وبعض الشباب ممن انضموا إلى الجماعات الإرهابية المسلحة، تأثر بخطبة جمعة كان الخطيب يحرض فيها ويبكي على انتهاك الأعراض في العراق وقتل الأطفال «ونحن لا نحرك ساكناً»، ولم أكن أشك في أنه يتباكى أو يتظاهر ولم أفكر بعقل إلا الآن حين تساءلت: «لماذا لا يذهب هو بنفسه؟»، ويتحدث الضحية عن تكثيف التأثير، فالخطباء دائماً يكررون موال سيرة المجاهدين ونقل أخبار العراق، وكأن خطبة الجمعة مخصصة عن العراق، ومعي الكثير من الناس كضحايا، وللعلم، الخطيب كان لديه أبناء في مثل عمري لكنه لا يرسلهم إلى العراق وسورية، بل يكملون دراستهم فيما أنا ضاع من عمري 10 سنوات وضيعت عيالي.
ولم يتبقَ له سوى عام كامل وينهي العقوبة، وقد بادر بإجراءات دعوى ضد أحد المحرضين، فيما الكثير من الشباب في السجن سيرفعون دعاوى على المحرضين عن طريق المحكمة وعن طريق المحامين مع الجهات المعنية لإيقافهم عند حدهم، ويبدو أن من يقود الحملة، وهو المحامي والكاتب السعودي عبدالرحمن اللاحم مصراً على محاسبة المحرضين من دون استثناء، لكن، هل سيتمكن من ذلك؟
لن تنجح الحملة إلا بقبضة قوية من جانب الدولة على المحرضين أياً كان مذهبهم وتيارهم وحجمهم ولاسيما أن قادتهم وكبارهم «مجرمون» بالأدلة والبراهين الدامغة.