عند استعراض قضايا الغش، وأرقامها، التي فشل جيش من الوزراء في كشف المتورطين فيها، لفترة ما بعد التحرير فقط، نجد تنوعا من جهة وأعدادا كبيرة لمرتكبيها من جهة أخرى، لا تتناسب وحجم السكان، ولا مع ما نجده من «تكالب» شديد على إظهار مختلف علامات التدين والإيمان والخشوع والتراحم، إن من خلال المشاركة في الصلوات الجماعية، أو الصيام الشامل في رمضان، أو المشاركة في تقديم «واجب» العزاء، وفي المقبرة بالذات، والتبرك بالحج وتكرار القيام بالعمرة، والتسابق في بناء دور العبادة! فمن الواضح أن هناك خللا بين كل هذه المظاهر، وبين كم وحجم السرقات والاختلاسات، وما يجري من غش وتلاعب على الدولة، وآخرها ما كشفته السيدة هند الصبيح، وزيرة الشؤون الاجتماعية، التي فاقت الجميع في إخلاصها وجديتها، من وجود شبهات تزوير وتلاعب في أكثر من 5 آلاف ملف مساعدات اجتماعية تورط فيها أكثر من 50 ألف مواطن تقريبا، جار استدعاؤهم لمحاسبتهم، ولا ننسى مئات الموظفين الذين شاركوا في إقرار تلك المساعدات وصرفها!
ومن حالات الغش والسرقة التي سبق أن كتبنا عنها ما كشفه مدير هيئة الإعاقة السابق، من وجود آلاف حالات الإعاقة المزيفة، التي شارك أطباء، ومن أحزاب دينية، في الشهادة على صحتها. وربما لا تزال هناك سرقات وتزوير في إقرارات بدل السكن وعلاوات دعم العمالة وغيرها الكثير الكثير، بحيث لم تسلم جهة من حالة غش كبيرة أو أكثر، بعد أن أصبحت سرقة المال العام هي القاعدة بعدما كانت الاستثناء، قبل الصحوة اللامباركة!
ولا يسعني هنا إلا الإقرار بعظمة جهود وزيرة الشؤون في كشف حالات الغش والتزوير التي ربما علم بها جميع من سبقها في المنصب، ولعلهم «اختاروا السكوت».
وهكذا نرى أن مظاهر التدين الواسعة والواضحة من أردية نسائية أو رجالية خاصة، أو لحية أو سبحة أو حتى بنطال قصير لا تعني بالضرورة تدين مجتمع ما، بل ربما العكس، فقد تدل على أن لا علاقة للتدين بالأخلاق، فالتدين عبادات تؤدى تلبية لأمر إلهي وابتغاء رضى الخالق وكسب رحمته في الدنيا والآخرة، اما الأخلاق فهي علاقة الإنسان بعمله وببيئته، وأخيه الإنسان، ايا كانت جنسيته او لون بشرته أو ديانته. فالاديان تطالب أتباعها بالتراحم بينهم ومساعدة بعضهم بعضا، وليس بالضرورة غيرهم، ولهذا اصبحت هناك جمعية للصليب وأخرى للهلال وثالثة للاسد ورابعة للقمر، وغيرها الآلاف من الجمعيات «الخيرية» الطائفية بامتياز، والتي تأسست اصلا لتقديم يد العون لأتباع هذا الدين او ذلك المذهب دون غيرهم، حتى لو كان الغير هذا أكثر حاجة أو أكثر استحقاقا للمساعدة بسبب تفوقه الدراسي أو ذكائه الخارق!
* * *
• ملاحظة:
ورد في الصحف أن حكما صدر بحبس وتغريم مدير هيئة القرآن والمشرف الإداري بسبب اختلاسات وتجاوزات.