نعيش اليوم حالة غريبة وضعيفة، مقلوبة الموازين، تتسيدها مشاعر وعواطف عمياء لا تبصر الحقيقة أو أنها لا تريد، غارقة بوحل التناقض النتن، مرتدية رداء الاستسلام، تتحدث بلسان معوج، وبكلام النواعم والمساحيق، أضلت طريقها بحجج ساقطة ومبررات بالية، كانت في السابق تدعم الأعمال النضالية الفدائية ضد العدو الصهيوني، واليوم تناقش في ما بينها جواز التطبيع من عدمه، بل تذهب في بعض أحيانها للترويج للتطبيع باعتباره عمل مبارك ومستحسن، ناهيكم عن أصوات النشاز التي ترى أن التطبيع مقاومة للعدو!
هذا التطبيع الذي بدأ يأخذ في السنوات الأخيرة شكلا ثقافياً وأكاديمياً، ليس فقط على مستوى الأفراد والشخصيات، بل على مستوى الحكومات والسلطات العربية التي أضحت أولوياتها التواصل مع الشعب المحاصر هناك وزيارته عن طريق “دعم الحصار وتعزيزه”!، وآخرها الأسبوع الفائت بزيارة الوفود الحكومية لفلسطين بحجة افتتاح معرض الكتاب، ما ينذرنا بقدوم ما هو أكبر وأخطر من مجرد تعامل بسيط مع الكيان الصهيوني.
حكاية التطبيع هذه المعللة بالتواصل مع الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة، وما تحملها من نفع يعود على الشعب المحتل، كما يدعي القوم ويزعم، تزرع بنفسي سؤالا لم أجد له إجابة لدى هؤلاء المؤيدين لهذه الزيارات – التي لا تتم إلا عن طريق إذن من السلطات الصهيونية بحكم أنها دولة لها سيادتها على الأرض أي عن طريق التطبيع معه-، لماذا لا يقبل من يردد هذه الترهات ويروج لها الحل بين الدولتين؟ لماذا لا يؤيد ويدعو لمعاهدة سلام بين دولة فلسطين والكيان الصهيوني المغتصب تكفل حقوق شعبنا العربي هناك؟ أليس بذلك سيتنفس الشعب الفلسطيني الراحة والأمان؟ وسيكف جيش الاحتلال عن أسر الأطفال والنساء والرجال وتعذيبهم وقتلهم؟ أليس بذلك سيقف حمام الدم المستمر إلى يومنا هذا؟ لماذا يرفضون طرح ورقة الحل بين الدولتين إذا كانوا لا يرون أي ضرر ولا ضرار بالدخول لفلسطين عن طريق إعطاء الكيان المحتل الشرعية على الأرض؟
باختصار .. منذ متى أصبح “التصدق” برغيف خبز “مسروق” عملاً مقبولاً؟
ختاماً، وفي ذات السياق، وبما أن الكويت كانت ضمن المشاركين بمعرض الكتاب الفلسطيني بوفد حكومي ممثلاً عنها، ومع كل ما تدعيه حكومتنا من دعمها لفلسطين ومحاربتها للكيان الصهيوني المغتصب، أتساءل هنا، هل زيارتها هذه تتضمن الوقوف عند المعابر والحواجز وزيارة السجون الصهيونية التي لا تخلو من صيحات الأطفال ونحيب الأمهات وصرخات الرجال جراء التعذيب اليومي والقتل، للتأكد من حسن سير استثماراتها وفوائدها المتمثلة باستمثار مؤسسة التأمينات الإجتماعية (مؤسسة حكومية كويتية) بشركة G4S المسؤولة عن تزويد سجون الاحتلال بأنظمة الأمن والمعدات اللازمة وتوفير المعدات الأمنية للحواجز ومراكز الاعتقال التي تشهد بشكل يومي كل ظواهر التعذيب بحق شعبنا الصامد؟ أم أنها تعيش حالة من الرضا مع هذا الاستثمار بحيث أنها اكتفت فقط بزيارة لمعرض الكتاب؟