قرأت خبرين دوليين أخيرا عن ظاهرة ترامب فيهما من الغرابة المحرضة على التفكير. الأول عن فتيات شرق آسيويات مغرمات بترامب ومؤيدات له، وليس في أمريكا بل في بلدانهن، إحداهن يابانية طلبت منه أن يدعوها إلى حفل الاستقبال، حين يفوز بمنصب الرئاسة، وقد قالت موجهة حديثها إليه: “أنا معجبة جدا بك يا سيد ترامب، انظر إلى الـ”تي شيرت” هنا، لم أستطع أن أحصل على واحد من الولايات المتحدة عليه صورتك لتأييدك لكني عوضا عن ذلك طرزت اسمك هنا، أرجوك قم بدعوتي أنا أصلي لفوزك، أعرف أن طلبي شبه مستحيل لكن ادعني أرجوك”! الخبر الآخر يقول: جماعة هندوسية يمينية توقد النار وتلقي فيها بالقرابين تقربا للآلهة (التماثيل المنصوبة في حديقة في نيودلهي أمامها صورة ترامب مبتسما)، وذلك في طقس ديني وهم يهتفون مغنين وسائلين الآلهة مساعدة ترامب على الفوز برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. وترامب في نظرهم مخلص البشرية الوحيد من “الإرهاب الإسلامي”. قد يكون من الصعب على دونالد ترامب حشد قادة الحزب الجمهوري لدعم حملته للترشح للرئاسة، لكن هناك بعض المؤيدين المتحمسين له ممن يسعون إلى وقوف الآلهة إلى جانبه ليس في أمريكا بل في القارة الآسيوية.
وفي الوقت الذي هيمن فيه ترامب على منافسات الترشح التي ستحدد مرشح الحزب الجمهوري الذي سيخوض انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) فإن دعوته إلى منع المسلمين من دخول أمريكا، وملاحقة الجماعات الإرهابية في الخارج أكسبته بعض المؤيدين في الهند. وقال فيشنو غوبتا، مؤسس جماعة سينا الهندوسية الوطنية: “العالم أجمع يشكو صارخا من الإرهاب الإسلامي، حتى الهند لم تسلم منه. ومنقذ البشرية الوحيد هو دونالد ترامب! وعلى الرغم من أن الملياردير الأمريكي ترامب، خفف فيما يبدو، من حدة موقفه بشأن منع المسلمين مؤقتا من دخول الولايات المتحدة، وقال في مقابلة مع “فوكس نيوز” الأمريكية إن ما ذكره كان “مجرد اقتراح”، وذلك ردا على تصريحات عمدة لندن الجديد المسلم صادق خان الذي أعرب عن قلقه من أنه قد لا يستطيع السفر إلى الولايات المتحدة إذا ما أصبح ترامب رئيسا، وعرض ترامب “تقديم استثناء” لخان وبأن الحظر هو أمر مؤقت، ومجرد اقتراح “حتى نفهم ما يجري”! وقد بدل ترامب مواقفه من قبل إزاء عديد من القضايا.
بغض النظر عن قيمة ما يقول ترامب من آراء واقتراحات، ومن دراسة ردود أفعال الأمريكيين إلى أبعد منهم، فإنها ردود أفعال لا تشكل “ظاهرة” فعلية من شعوب مختلفة كالشرق الأقصى هنا، وهي ردود قد تكون مدفوعة إلى ترامب كرجل “ملياردير ثري” أكثر من كونه مرشحا رئاسيا عاديا لدولة عظمى كأمريكا، إلا أن الرجل أثار موجة من التفكير والتأمل في قضايا مختلفة كانت تحتاج إلى لفت نظر فعلي أولا لحاجات الناس المتجددة في مراحل الخوف وتهديد الأمن القومي، بصنع بعبع مخيف، وفي الوقت ذاته الحاجة إلى رمزية “المخلص” السوبرمان، ليس ببعد ديني بل دنيوي أيضاً. وفي شق رئيس من المسألة، لا بد أن نتنبه إلى تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، التي أجدها ظاهرة لها تبريراتها التي يراها مريدو هذا الوضع، نظرا لطبيعة الحال لما يحدث سواء من إرهاب أو صورة متهاوية، تدعمها وجهات نظر متطرفة تحمل أفكارا قروسطية، تتطلب تجديدا فكريا خالصا.