وهذا لون زاهٍ آخر يسقط من لوحة الكويت، بعد طغيان اللون الأشهب عليها. ها هو الخالد في الذاكرة، حمد الجوعان، يوارى الثرى، ومعه حزنه على حال الكويت، معشوقته التي أفنى أجمل سني عمره لتزيينها وتجميلها والدفاع عنها.
بوفاة هذا الخالد، عادت ذاكرتنا المشوشة، لتسرح في أزقة الماضي القريب وحواريه. عادت بنا ذاكرتنا إلى أيام كان فيها حمد الجوعان وصحبه، من أمثال مشاري العصيمي وغيره، أطال الله أعمارهم، هم أصحاب التشريع والرقابة، وقبلهما الرؤية والتنفيذ.
عادت بنا الذاكرة إلى أيامٍ كانت فيها الرياضة الكويتية تجلس على ركبتيها وتمد يدها إلى دول الخليج كي تنقذها من الغرق. عادت بنا الذاكرة إلى زمن شموخ النائب وعلو مكانته، ومحاسبته الشرسة للمسؤولين. عادت بنا الذاكرة إلى تكليف مجلس الأمة للجوعان بالاطلاع على ملفات البنك المركزي، وغضبة الحكومة ورفضها حينذاك، وإصرار النواب على حقهم في الاطلاع على تفاصيل ما جرى في البنك المركزي، ومساندة المحكمة الدستورية لوجهة نظر النواب ضد الحكومة… يااااه.
بوفاة هذا الخالد، عادت بنا الذاكرة إلى “دواوين الاثنين”، وقبلها تفاصيل ما جرى في مجلس 85، وشموخ الجوعان وصحبه، ونصرة الشعب لممثليه الشرفاء، ووقوفه معهم. قبل أن يتحول غالبية النواب اليوم إلى “مناديب”، لا قيمة لهم عند الحكومة ولا الشعب.
مات حمد الجوعان جسداً، وسيعيش ذكرى… مات، وسنبتسم بشموخ كلما استعرضنا سيرته ومسيرته، وسيبتسم التاريخ معنا… مات الجوعان، وتسابق الجميع لتقديم التعازي وإظهار الحزن. وأجزم أنه لو لم يكن مريضاً في العقد الماضي، لكنا شاهدنا غضبته على حال الكويت، وكنا رأينا بعض من يتباكون عليه الآن، كذباً، يتسابقون إلى تشويه صورته في الفضائيات والصحف وتويتر وغيرها، ليتقربوا بشتمه من ذوي المال والنفوذ.
رحمك الله أيها الشامخ، وألهم أسرتك ومحبيك الحقيقيين الصبر، وألهم معشوقتك، الكويت، السلوان.