مع شديد الأسف، ما كان لأوضاع المؤسسات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان في الوطن العربي والإسلامي أن تصل إلى ذروة «الانتهاك» من جانب الكثير من الحكومات، على أن النظرة التي كان الكثير من المواطنين يأملونها من تلك الحكومات، هي تجسير العلاقة بثقة متبادلة، سواء كانت تلك العلاقة مع المنظمات الحقوقية الحكومية أم غير الحكومية… لكن ذلك ليس مواتياً؟ ونحسب أن الصفة التي تنظر بها الحكومات للحقوقيين وكأنهم «شياطين»؟
والسؤال المحير هو: في الوقت الذي تتباهى به الدول بملفاتها في حقوق الإنسان، ومدى التطور المدهش في هذا الحقل؟ لماذا تتردى العلاقة أكثر فأكثر مع المنظمات الحقوقية كمؤسسات، ومع الحقوقيين كأفراد؟ أليس من الأفضل والأهم، أن يعمل الطرفان لترسيخ ثنائية الحقوق والواجبات، وبالتالي، إضفاء حالة من الاستقرار الاجتماعي بصيانة حقوق كل المكونات؟ فالصورة الواضحة والمؤسفة، هي أن المنطقة العربية والكثير من الدول الإسلامية، عربية وغير عربية، تشهد تدهوراً مقلقاً في أوضاع حقوق الإنسان، وأصبحت من أبرز التحديات التي تواجهها منظمات المجتمع المدني هي الاستهداف والملاحظة والاعتقال التعسفي التي لم تعد خافية فالمنظمات الدولية تحمل ثقلاً لا متناهياً من تكدس تلك الملفات السوداء.
من بين الأبحاث المهمة، وجدت ورقة الباحث بن عيسى الدمني من المعهد العربي لحقوق الإنسان، التابعة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، مهمة للغاية وتستحق المطالعة من جانب الحكومات العربية والإسلامية ومن جانب الحقوقيين والمنظمات الحقوقية، فهو يرى أن حركة حقوق الإنسان كان لها دور رائد في تطوير الوعي والواقع العربيَّين، فقد كان الفكر العربي قبل ظهور الحركة الحقوقية يعاني من وثوقية شديدة، وكان ذلك ينعكس سلباً على كل مكوِّنات الساحات اليسارية والعروبية والإسلامية وغيرها، جموداً فكرياً، وانغلاقاً على الذات، وتدابراً بين الفُرقاء. وبلغ الأمر بالجميع – تقريباً- حد السعي إلى الاستئصال المتبادَل، واللجوء إلى وسائل العنف لحسم الخلافات، لكن مشتركات الوعي الحقوقي التي اكتسبها الجميع في العقود الأخيرة، جعلت كل الأطراف الذين فرَّقت بينهم الخصومات ردحاً من الزمن، يُطلِقون ثورات «الربيع العربي»، جنباً إلى جنب، رافعين مطالب مشتركة في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.
غير أن الباحث بن عيسى عرج على الحركة الحقوقية العربية التي كان لزاماً عليها أن تجيب منذ انطلاقها عن سؤال: ما العمل؟ أي ما السبيل إلى نشر مبادئ حقوق الإنسان وترسيخ آثارها في المجتمع ثقافيّاً وتنمويّاً وحضاريّاً، من غير أن ينخرط مناضلوها في المعارك والصدامات السياسية المباشرة والعنيفة؟ فقد تجاذب تلك الحركة اتجاهان، ينزع الأول إلى المشاركة في أعمال المعارضة السياسية، وينزع الثاني إلى الانخراط في الحراك المدني بعيداً عن كل ولاء حزبي أو تصادم حادٍّ مع السلطة، وبرزت خلافات بين الحكومات وبين الجمعيات الحقوقية كلما نشرت هذه بياناتٍ وتقاريرَ تفضح انتهاك الحريات والحقوق في بلدانها، وكانت الحكومات تصرُّ دائماً على اعتبار تلك الانتهاكات «تجاوزات فردية» صادرة عن أعوانٍ غير منضبطين، وكانت تفضِّل أسلوب الحوار المباشر ورفع المطالب بعيداً عن وسائل الإعلام، على أساليب «التشهير» التي كانت الجمعيات الحقوقية تعتمدها في الغالب، والتي دأبت الحكومات على اعتبارها «مثيرة للفتنة» و «مزعزعة للاستقرار.
إن واقع المنطقة العربية والإسلامية، ودول الخليج تحديداً، يشير إلى أن هناك مؤشرات لا بأس بها وفرصاً ذهبية يمكن استغلالها وتوظيفها توظيفاً سليماً لإثراء المكتسبات في مجال حقوق الإنسان، على أن ذلك يتطلب بالطبع رؤية توافقية مشتركة بين الطرفين، وهذا ما تحتاج إليه كل الدول، فلا يمكن الاكتفاء باستمرار «نوايا الشر» – من وضد الطرفين – في ظل استمرار انتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب واستهداف مختلف المكونات على كل الخريطة العربية والإسلامية، والأهم من وجهة نظري، عدم الاتكال على الغرب ومن لف لفه في تحسين أوضاع حقوق الإنسان، فأبناء البلد أكفأ وأصدق وأكثر إخلاصاً.