ما أن أبدأ بقول بيت الشعر الشهير لأحمد شوقي «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت»، حتى يتبرع من يسمعني بإكمال عجز البيت، وهذا يثبت أننا حفظة شعر عظام، وبس، أما التطبيق فحدث ولا حرج. والمؤلم، ولكن ليس بالغريب، أننا نربط الأخلاق فقط بالمواضيع الجنسية، فسرقة المال العام والتفاخر الأجوف والتباهي القبلي أو الطائفي، والتصرف بعنجهية، ومخالفة القوانين، والوقوف في مواقف المعاقين، والتدخين في المخافر والمستشفيات، والحضور لعملنا متأخرين، والانصراف مبكرين، جميعاً، وآلاف التصرفات السلبية الأخرى، دع عنك أطنان التصرفات الإيجابية، لا علاقة لها بالأخلاق.
صرح وزير التربية قبل ايام أن مناهج المدارس ستكون جاهزة قريباً للتطبيق بحلتها الجديدة، ودون النظر لها أو معرفتها، فإنني أجزم بأنها ستكون خالية من مادة الأخلاق، المادة الأهم في اي منهج، والسبب أن الموضوع لا من «عاداتنا ولا من أخلاقنا ولا من تقاليدنا».. وبالتالي سنبقى على السائد من التسيب والتمسك بالمظاهر السلبية.. فنحن قوم لنا الصدر دون العالمين.. أو القبر، وهذا ما حصل!
***
ورد في «الجريدة» قبل ايام ان حالة من الكر والفر سادت بين طلاب كلية الحقوق الساعين الى الغش بمختلف الوسائل الحديثة، وبين الاساتذة المشرفين، الذين حاولوا جاهدين ملاحقة الظاهرة، وأسفرت جهود المراقبين عن ضبط 4 حالات غش باستخدام سماعات وأجهزة متصلة بسيارات تقف قريبة من مراكز الاختبار، يقوم من فيها بالمساعدة في الغش. كما تبين أن بعض الطلبة قاموا بزرع أجهزة تنصت داخل آذانهم، لا يمكن كشفها أو إخراجها إلا طبياً!
المشكلة أن هذا الغش حدث في واحدة من اكثر الكليات حساسية، الا وهي كلية الحقوق، التي منها سيتخرج مستقبلا المحقق والمشرع وأعضاء النيابة والقضاء الواقف والجالس، والذين سيكون بيدهم تحقيق العدالة في الدولة مستقبلا، ومحاسبة المزورين والغشاشين والمتلاعبين!
***
من المعروف أن دولا مثل سويسرا، هولندا، السويد واليابان، تعتبر دولاً متقدمة ومتحضرة، بكل المقاييس، وتهتم بالأمور الإنسانية وتدعو الى السلام، وتلبي كل متطلبات البشرية، على الأقل أكثر منا، الذين لا نترك فرضا دينيا دون ان نؤديه. كما تجدها دائما ضمن الدول العشر الأعلى شفافية والأفضل في الرعاية الصحية والتعليمية والمحافظة على حقوق المواطن والمقيم. كما أن الناتج المحلي لأي منها يفوق الناتج المحلي لكل الدول العربية، ومنها ما يفوقها باضعاف مضاعفة، على الرغم من أنها لا تمتلك قطرة نفط واحدة، وهو المنتج الذي «طاح حظه» مؤخرا، وخرب خطط تنمية حكومتنا، التي لم تُطبّق اصلا!
ولو بحثنا عن السبب في تقدمها وإنسانيتها، لوجدنا أن إيمانها بالأخلاق هو الذي وضعها على القمة، وليس درجة تدينها ولا عدد رجال الأمن والدعاة فيها، ولا ما حفره دعاتها من «آبار مياه وهمية» في الدول الفقيرة.
ملاحظة: عندما كان «العليم»، وزيراً للكهرباء، أنكر بعض «الإخوان» أنه منهم، واليوم يعين أميناً عاماً لهم.. عجيب..!