ربما تكون مؤسسة التأمينات الاجتماعية، او الضمان، المؤسسة الأولى في تاريخ الكويت التي كان المراجع يشعر، وهو يتعامل معها، بالراحة والاحترام لشخصه ووقته، وهي المؤسسة التي وضع لبناتها الأولى الرجل الكبير حمد الجوعان، الذي نتمنى له الشفاء، والذي أدارها باقتدار قبل أن يتعرض لمحاولة اغتيال آثمة.
بقيت مؤسسة التأمينات فريدة في نوعها لسنوات طويلة، ولا تزال تحتفظ بالكثير من سابق سمعتها، على الرغم من كل ما تعرضت له من نهش في أصولها، ونعتقد ان إدارتها الحالية ستعيد لها رونقها وسمعتها.
شاءت الظروف، وبعد اربعين عاما تقريبا، ان أعود قبل ايام وادخل مبنى بنك التسليف والادخار، بنك الائتمان حالياً، لإنهاء معاملة بيع عقار، وما ان دخلت المبنى واختلطت بموظفيه، ولمست طريقة تعاملهم، وأسلوب أدائهم لعملهم.. إن من خلال الابتسامة والترحيب الصادق، أو من خلال ما كانوا يستعينون به من أفضل برامج الكمبيوتر، حتى شعرت بانني في مؤسسة تحترم عقل المراجع ووقته، وأنها ليست أقل في مستواها ومستوى العاملين بها من الشباب الجميل، من الجنسين، عن مؤسسة التأمينات!
دفعني المنظر بداخلها للتساؤل عن سبب الحالة المزرية التي عليها «كل» مباني الدولة من وزارات وهيئات وغيرها، خصوصاً تلك التي يضطر المواطن والمقيم لمراجعتها بصفة مستمرة كـ«الشؤون» و«التجارة» و«الداخلية»، ولماذا تستمر مخافرنا وموانئنا على أوضاعها التي كانت عليها منذ نصف قرن، وحتى مراكز خدمة المواطن تشعر وأنت بداخلها بالكآبة، وبعضها يشبه سوقا بسبب درجة الازدحام والضوضاء داخلها. ولا أدري لم فشلت جميع هذه المؤسسات في أن تكون نسخة من التأمينات أو بنك الائتمان، خصوصاً أن البلد واحد والحكومة نفسها والشعب هو هو، ومجلس الأمة على طمامه؟! فلم هذا الاختلاف؟!.. السبب لا شك يعود لمن يدير مثل هذه الإدارات أو المؤسسات. فمن يرضى بأن تكون مكاتب الوزارة أو الإدارة التي تتبع له قذرة وقديمة ومتهالكة، ولا يبذل اي جهد في تغيير أوضاعها، هو غالبا شخص غير مبال، وقد تكون ظروف معيشته تشبه وضع هيئته أو إدارته.
نعود لبنك الائتمان، الذي قمت، وانا بانتظار الانتهاء من معاملتي، بالتجول في أرجائه وطوابقه، فتبين لي أن كل من سألته، من الفراش إلى رجل الأمن، مرورا بأكثر من عشرة موظفين، يعرفون الاسم الكامل لمدير البنك، وهذا أمر، حسب خبرتي، ليس بالأمر الشائع، بسبب حالة اللامبالاة التي يتسم بها المواطن والمقيم بصفة عامة، وتدل على العلاقة الإيجابية التي تربط الإدارة العليا بمختلف مراتب الموظفين. كما تبين لي أن كل من سألته عن دور صلاح المضف، مدير عام البنك، في خلق جو العمل الإيجابي السائد، أجابوا بأنه يقف وراء كل تغيير حدث في البنك في السنوات القليلة الماضية، وأنهم يكنون للرجل كل احترام ومحبة.
ليس بالإمكان طبعا استنساخ امثال صلاح المضف، والكثير من القيادات المخلصة، لكن لماذا لا يحاول اي من كبار إداريي الدولة الاقتداء بهم، والكلام موجه لرؤساء ومديري الموانئ والمطار الدولي، كأمثلة على سوء أوضاع الكثير من مؤسساتنا.