العالم العربي الرسمي من الجامعة العربية مرورا بالأنظمة السياسية وطرق الإدارة الرسمية تتفاعل مع المشكلات التي تواجهها في معظم الحالات بلا إبداع أو من خلال إهمالها. التقليدية تصلنا من زمن سابق وتعكس ضعفنا في اكتشاف الجديد وتميز المفيد من غير المفيد، فالتقليدية قيم في التعليم والإدارة والسياسة والقيادة والدين والتراث تؤثر في واقعنا من خلال حلول مناسبة لزمن سابق لم تعد تتناسب وواقعنا..
لهذا السبب لم تعد البيروقراطية الحكومية العربية في معظم الحالات إلا نموذجا لما يجب عدم القيام به.. وهذا وضع لا يمكن فصله عن أزمات العالم العربي الراهنة بالرغم من محاولات لإحداث نقلات جديدة.
المنهجية التقليدية تستلهم الآيات الدينية والأحاديث الشريفة التي تحث على الطاعة دون الالتفات لما يحث على التجديد في فهم القرآن والأحاديث، التقليدية التزام بما يحث على القبول بالاستبداد قولا وفعلا مع نسيان كل ما يحث على الشورى والديمقراطية وتقويم السلطة. التقليدية تركز على الفرض وقلما تلتفت لحالة (لكم دينكم ولي ديني).. في المنهج التقليدي إصرار على العقوبات والأوامر ونسيان لمكانة المغفرة، وهي بنفسها ضد الحقيقة وتسعى لإخفائها وتزييفها وتلوينها ولهذا نجدها مفصولة عن العالم كما ينشأ ويتغير.
لنأخذ على سبيل المثال التعليم الذي يقوده النظام العربي الرسمي، فمعظم المدارس في مؤسسات التعليم في العالم العربي (مع استثناءات قليلة) تهمل الإبداع والكتابة الحرة والخيال واللغة المنسابة، لقد حولت التقليدية اللغة العربية لحالة وعظ مستمر عوضا عن أن تكون حالة خيال وإبداع لغوي، كما حولت دراسة الاجتماعيات في المدارس إلى وعظ شكلي حول الولاء والوطنية بما لا يغير سلوكا ولا يؤثر على وعي وطني ولا يحسن أخلاقا. ويعتقد الكثير من القيميين على المناهج أن العلم حفظ واللغة دين.
ان التعليم المؤثر غير ممكن بلا تساؤلات، فكل رأي يضيف شيئا إن استند لأرقام ووقائع، إن منطق التحكم يضر بحب التعلم الفطري عند الناس، وهو بطبيعة الحال يؤدي لوأد روح الفضول والتساؤل التي نحتاجها في كل مجال، بل إن غياب التساؤل يخلق الخمول الذي يعود ويؤدي لدول منهارة بسبب ضعف التدبر والتطوير.. لخلق نجاح في الاقتصاد العربي وفي التنمية والمجتمع والسياسة والمستقبل يجب تشجيع فضيلة التساؤل والنقد والتجديد.. لم يعد التعليم تلقيا، بل تحول لشراكة يلعب فيها الطالب دور الشريك، وبنفس الوقت لم تعد السياسة والقرارات الوطنية الكبرى تلقى من الأعلى بل تتطلب شراكة وذلك لأن الثمن لن يدفعه أحد سوى جموع الشعب والمواطنين.. إن طريق التنمية في الواقع العربي لن يكون ممكنا بلا تساؤلات تتعامل بشمولية مع مسألة القيادة والإدارة والسياسة والاقتصاد، هذا حق للجيل الصاعد، فإن لم نقدمه لهم انتزعوه بطريقة أو بأخرى.
التقليدية عميقة التأثير أيضا في الإدارة والإعلام الرسمي وخطاب الدولة، فالتقليدية في السياسة تمنع عالمنا من كسر الجمود الذي يسمح بالتطور، عالمنا بحاجه لمناهج جديدة جوهرها التغير، ولحكام يطلقون العنان لكل نقد دون أن يتحكم بهم الخوف منه، وبحاجة لمؤسسات حكومية وخاصة تعنى بتشجيع المسرح والأدب والفكر والإبداع والحقوق والعدالة والمساواة بوسائل غير تقليدية.
في عالمنا التقليدي تشعر الناس بأنها في سجن كبير، لهذا تثور في يوم، وفي يوم آخر تنفجر حروب، ويوم يقع تطرف، وفي آخر ينهار الاقتصاد بسبب ضعف التخطيط وكثرة الانشغال بالسلطة، ويوم محاولة لقلب نظام الحكم، ويوم يهاجر معظم الشباب، ويوم تغرق سفن المهاجرين في بحار عاتية، ويوم تهرب رؤوس الأموال الوطنية بلا عودة إلا لمنافع قصيرة الأمد.
التنمية بلا أنسنة وبلا حقوق أصيلة وعدالة وشراكة ومضمون اجتماعي وسياسي لن تحل مشكلتنا الوجودية بل يقينا سوف تفاقمها.