“الكتابة على الجدران” مصطلح إنجليزي المقصود منه أن الأمور صارت واضحة وجلية، وأن كل شيء ظهر وبان، وعليك الأمان، إن شئت.
كانت كتابتنا على حوائط بلدنا هي أول فعل احتجاجي على الاحتلال والغزو المشؤوم. الكتابة على الجدران في أغلبها تأخذ طابعاً عاماً.
إلا أن الكتابة على جدران أو أبواب الحمامات من الداخل تأخذ منحى آخر.
هي طبع بشري، سمها عادات وتقاليد الكتابة على جدران الحمامات العامة. وأقول العامة، فلا أحد يكتب على جدران حمامه الخاص. هي في الغالب تكون كتابات من النوع الاحتجاجي الموغل في القضايا الشخصية، مخلوطاً بعبارات جنسية وشتائم بذيئة أحياناً. والغريب أنك تجد أحياناً من يكتب رقم تلفونه، فماذا يتوقع كاتب تلفونه على جدار الحمام؟
الكتابة على جدران الحمامات وسيلة غريبة من وسائل الاحتجاج.
أتذكر أن أحد المطاعم في مدينة بافالو الأميركية، وبعد أن تعب من تشويه حوائط جدران حمامات مطعمه، قرر أن يجد حلاً جذرياً.
كنت في زيارة للمطعم منذ سنوات طويلة، وفتح صاحب المطعم تجربته مع الكتابة على الجدران، فاستطرد: هناك تشويه للجدران، وتمزيق للصبغ، وألوان لا حد لها وغير ذلك من المناظر المؤذية.
فسألته: ماذا فعلت لحل المشكلة؟
قال: حل مبدع، قمت بتركيب لوح للكتابة قرب المرحاض، حيث عادة ما تكون الكتابة في أعلاها وأشدها “حكا” بالطوفة. كما قمت بوضع أصابع طباشير للكتابة. فكانت المفاجأة. لم يكتب أحد أي شيء.
يبدو أن الكتابة على حوائط الحمامات العامة مرتبطة بشكل جذري بالاحتجاج، وهذا يستلزم بقاء الكتابة محفورة على الجدران، ويكون من الصعب إزالتها، أما أن تكتب بالطباشير لكي يقوم عامل التنظيف بمسحها لاحقاً، فيبدو أن ذلك لم يكن ليقنع محتجي الحمامات العامة لكي يكتبوا.
صاحب المطعم حسب قوله، حل مشكلته، لكنه لم يكن يتخيل أن يكون بهذه الصورة.
يبدو، ومع حالة الانحدار السريع إلى الهاوية، وبلادة الأحاسيس تجاه معاناة البشر الأبرياء، صرنا وكأننا نعيش في حمامات عامة كبيرة، ولكن بلا أدوات كتابة ولا حتى لوح للكتابة ولا طباشير، فالألواح قد تم كسرها وكذلك الطباشير. فالكلمات على الجدران صارت واضحة، واقتربت ساعة الانكسار، إن لم نكن قد وصلناها أصلاً، فهل ندرك ذلك؟