لا تجد عاقلاً يحب وطنه يتمنى أن يتجمَّد إنتاج النفط أو يتوقف لفترة طويلة، يتكبد البلد بسببه خسائر فادحة، لذلك استاء الجميع من أن تصل الأمور بين النقابات النفطية ومؤسسة البترول إلى هذا الطريق المسدود الذي كانت أولى نتائجه الإعلان عن إضراب شامل في جميع قطاعات النفط! ولقد ظن الناس في البداية أن السبب هو تطبيق المؤسسة البديل الاستراتيجي الذي ألغى بعض الميزات المالية للقطاع النفطي، وقد يكون هذا صحيحاً، لكن الأصح أن الحوار بين النقابات والحكومة استمر طويلاً للوصول إلى حل يرضي الطرفين، حيث طالبت الحكومة، ممثلة بمؤسسة البترول الكويتية، بتخفيض في ميزانية المؤسسة بمقدار سبعمئة مليون دولار! وإن هذا التخفيض سيكون من المزايا التي يتقاضاها الموظف في القطاع، قدرت بحوالي خمس عشرة ميزة، مثل التأمين الصحي والسيارة والتذاكر والعلاج في المستشفى بعد التقاعد والعلاوات السنوية وغيرها. وقد قدرت هذه المزايا المطلوب تخفيضها بما يساوي ثمانمئة دينار شهري من راتب الموظف، إلا أن النقابات قدمت اقتراحاً بديلاً يحقق للمؤسسة خفضاً يساوي سبعمئة وخمسين مليون دولار من الميزانية، وذلك عن طريق مشروع إنتاج النيتروجين وتخفيض الأوامر التغييرية للمقاولين وإلغاء المشاريع الفاشلة، من دون أن يمس جيب الموظف، إلا أن المسؤولين عن الشركات النفطية رفضوا ذلك، وقد تم الاتصال برئيس مجلس الأمة ورئيس الوزراء والوزير المختص، ولكن من دون جدوى، لذلك قرر اتحاد النقابات النفطية البدء في إضرابه!
أنا شخصياً أعتقد أنه يجب على الحكومة بذل المزيد من الجهد للتوصل إلى حل يرضي الطرفين، المسألة ليست عناداً وتكسير رؤوس، وليست عض أصابع من يصرخ أولاً، المسألة مسألة وطن ومستقبل أجيال، فما قام به المضربون حق مشروع كفله لهم القانون، نتفق أو نختلف على أسبابه ودوافعه هذا موضوع ثانٍ، لكنه حق مشروع لا جدال في ذلك، وليس عيباً أن تستأنف الحكومة اتصالها بالنقابات للجلوس على الطاولة من جديد، وليس عيباً أيضاً أن يوقف اتحاد النقابات إضرابه مؤقتاً للمفاوضات، ثم يستأنف إضرابه إن فشلت، المهم أن يتخلص الطرفان من عقدة الهزيمة، ويبدآ بالتفاوض والتنازل، وإن كنت شخصياً أميل إلى من يرى أن المزايا المراد تخفيضها أصبحت بعد هذه السنين حقاً مكتسباً للموظف بنيت عليه مراكز قانونية من الصعب تجاوزها.
من المضحك أن يلبّس البعض من المرضى نفسياً جماعة الإخوان مسؤولية الإضراب، ويصنفوا أحد المستشارين بالنقابات بأنه إخواني وأنه سبب الإضراب، أو من يقول إن المسؤولية مسؤولية الوزير الأسبق محمد البصيري الإخونجي الذي وافق على الكادر النفطي، وطبعاً لا المستشار معروف عندنا، والبصيري ترك الحركة الدستورية منذ اليوم الأول الذي قبل فيه الوزارة، وقد أعلنا ذلك في حينه، مع أننا لا نرى له مسؤولية في ما حصل، لأن قبول الكادر يخضع لموافقة عدة جهات حكومية ودعم سيادي! لكنها فوبيا الإخوان التي تؤرق مضاجع المرضى نفسياً!