«إن جلالة ملك البحرين المفدى هو رأس البلد، وإن سمو الأمير خليفة رئيس الوزراء هو.. قلبها»!! هذا ما وجدته بنفسي في كل مرة أصل فيها إلى هذه العاصمة الخليجية الصغيرة والجميلة إما جوًا عبر المطار أو برًا عبر الجسر
منذ أن انضممت إلى طاقم التحرير في جريدة «البلاد» اليومية السياسية التي تصدر من «المنامة»!! التقيت بصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس مجلس الوزراء حوالي أربع أو خمس مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، وفي كل مرة أصافحه فيها أشعر بضغط يده ودفئها لأنني قادم من الكويت التي يعرف تفاصيل تفاصيلها، كما أي قرية بحرينية في بلده! أنظر إلى عينيه مباشرة فأرى كل قرى ومدن وجزر المملكة الصغيرة وما عليها من بشر وما بهم من هموم، وما لديهم من أحلام! صلب، لكنها صلابة بنعومة الحرير! هادئ، لكنّ هدوءه يخفي إعصارًا متوثبًا، ينتقي مفرداته بحرص شديد «كالطواش» حين يصنف حبات لؤلؤ البحرين القديم!! مقر مجلس الوزراء في «القضيبية» لكن عيونه تجدها هناك في «أبوإبهام» و«أبوعشيرة» و«المرخ» و«جدحفص» و«جدعلي» و«رأس أبوجرجور» و«طشان» و«المقشع» و«حفيرة» و«كرزكان» و«الديه» و.. «عذاري» و«كرباباد» و«أم البيض».. والعشرات من قرى البحرين من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، وقبل ذلك إلى كل كبد رطبة تعيش.. فيها!!
.. «سنجعل البحرين نارًا تحت أقدامكم»!!
في عام 1970، زار صاحب السمو الملكي الأمير خليفة إيران – وكان وقتها رئيسًا لمجلس الدولة قبل استقلال البحرين – والتقى بالشاه الذي بادره بسؤال عجيب وهو: «كم عمرك؟، وكم عمر ولي العهد وعمر أمير البحرين»؟ فرد الأمير خليفة قائلا: «تتجاوز الثلاثين بقليل»، فابتسم الشاه ابتسامة تمتلئ بالخبث وقال: «عمري الآن تجاوز الخمسين، وهذا يعني أنني في سن يسمح لي بأن أقوم بدور الأب لكم، الأبناء عادة عليهم طاعة الآباء»!! كان رد الأمير خليفة مفاجأة للشاه، اذ لم يسمع منه تعليقًا، بل رأى ابتسامة موجهة اليه مصحوبة بنظرة عين قالت ألف كلمة في لحظة، فما كان من «ملك الملوك الشاهنشاه آريامهر» إلا أن استدرك جملته السابقه قائلا وكأنه يلحسها لحسًا: نحن وأنتم إخوان وجيران.. على كل حال»!! كنا – قبل ثوان – «أب يريد أن يرى طاعة أولاده» وفجأة، وبدون كلمة واحدة من الأمير خليفة، تحول الأب إلى جار، وصار «الأبناء».. إخوان!! وخلال لقاء قديم جرى في «جنيف» مع وفد إيراني، ابتدأ رئيسهم بإطلاق التهديد والوعيد في وجه الأمير خليفة، قائلا إن بإمكان بلاده أن ترسل سفنها الحربية إلى البحرين واحتلالها في ساعات وحسم المسألة، فما كان من سموه إلا أن ردّ عليه قائلا: «قد نكون بلدًا صغيرًا إلا أننا سندافع عن أنفسنا بكل ما نملك من قوة، وإنه لن ينزل جندي أجنبي على أرضنا إلا ليجدها نارًا مشتعلة تحت قدميه»!! ثم قام الأمير من على طاولة المفاوضات قائلا لرئيس الوفد الإيراني: «جئنا للتفاوض، وليس لسماع التهديدات»، وعاد إلى جناحه بالفندق، وما هي الادقائق عقب وصوله إلا والهاتف يرن، وعلى الطرف الآخر كان رئيس الوفد الإيراني يطلب من سمو الأمير – بلهجة مختلفة تمامًا عن لهجته على الطاولة – أن يعود ثانية إلى مقر المفاوضات!!