مسرح ممتلئ بالطلاب والطالبات يتراقصون بأزيائهم الملونة على أنغام موسيقى وإيقاعات تكون مكررة في غالب الأحيان وجميلة في مرات قليلة جدا، بكلمات مختلفة وشاشات ضخمة تعرض بعض الصور الغرافيكية أو التاريخية، لينتهي الحفل المكرر باعتلاء كل الطلاب والطالبات خشبة المسرح لأداء الرقصة النهائية وإلقاء التحية على راعي الحفل سمو الأمير.
تكرار مستمر لمدة أربعين عاماً لا أفهم كيف لعاقل أن يتصور بأن هذا التكرار يعني النجاح؟! وهو التكرار نفسه الذي شهدته احتفالات فبراير في الكويت، حيث تم إغلاق شارع الخليج لتمر عربات خشبية كبيرة والجماهير تتابعها من فوق الأرصفة في تكرار واضح لاحتفالات السبعينيات من القرن الماضي.
أنا أعزو هذا الأمر وأعني التكرار الممل لجمود أفكار القائمين على تنظيم تلك الفعاليات، فمن غير المعقول أن يتولى أمور تنظيم فعاليات يفترض أن تكون قائمة على التجديد والإبداع، وتقديم المختلف للجماهير المتعطشة للفرح شخصيات غير مبدعة، فأين يكمن الإعجاز والإبداع في أن يتولى شخص أي شخص إدارة شؤون هذه الاحتفالات إن كانت الميزانية متوافرة، ووزارة التربية متعاونة، والشعراء والملحنون والمطربون متوافرين بكثرة في الكويت، بل قد يكون من أسهل الأمور تنفيذاً طالما الفكرة مازالت مكررة، وهي بالضبط مشابهة لأن يكون لدينا تصميم هندسي لمنزل واحد فقط، ونكلف المقاول في كل مرة بإعادة تنفيذه بلون مختلف فقط، وهو ما يحدث في احتفالاتنا السنوية.
أنا أقدر فعلاً الجهد المبذول من الشعراء والملحنين والمطربين والمخرجين، وهو جهد يشكرون عليه، ولكن أين العنصر الأهم وهو الإبداع في تقديم الجديد والمختلف الجميل، وأنا لا أستثني من تلك الاحتفالات الوطنية سوى احتفال واحد قبل عشر سنوات أو أكثر، حمل عنوان «صباح الوطن» للمخرج يعرب بورحمة والشاعر بدر بورسلي والملحن مشعل العروج، والغناء لعبدالله الرويشد ونبيل شعيل ومحمد المسباح، فقد خرج ذلك الأوبريت عن إطار النمطية والتكرار، ومازالت أغاني ذلك الأوبريت تتردد إلى اليوم لما كانت تحمله من مضمون جميل ومفردات عذبة.
لا أقصد الانتقاص من أحد، كل ما أطلبه هو الإبداع الممكن تحقيقه في ظل وجود نماذج شبابية قادرة على ذلك، التفتوا لما تقدمه «لوياك» مثلا في حديقة الشهيد، أو إلى ما يقدم من القائمين على «نقاط» أو «مهرجان المباركية»، أو إلى شركات العلاقات العامة والدعاية والتسويق المنتشرة، ويديرها شباب كويتيون قادرون على تقديم المختلف الجميل بدلا من كل هذا الجمود والملل المستمر، فإن كان ولا بد من أن يكون هناك أحد أبناء الأسرة في المشهد الاحتفالي فعلى الأقل ليكن مثلا ماجد الصباح نظراً لاطلاعه ومعرفته بشكل الاحتفالات وتجددها حول العالم.
عندما أقدم السابقون على شكل الأوبريتات المكرر حاليا كان الأمر في حينها شكلا غير مألوف للاحتفال، وهو ما جعل تلك الاحتفالات ترسخ في أذهاننا إلى اليوم، أما تكرارها فما هو إلا دليل إفلاس وعجز إبداعي واضح، شجعوا الإبداع وأتيحوا المجال له ليعود التميز الغائب.