كما يقولون “حظ يكسر الصخر”… في يناير عام 2000 بهراري زيمبابوي، أقام بنك زيمبابوي المملوك للحزب الحاكم حفلة “يانصيب” بجائزة قيمتها 100 ألف دولار زيمبابوي لكل من أودع أكثر من 5000 دولار في البنك، وحين سحب مدير الحفل الورقة الرابحة، وقرأها، صعق من الدهشة، لم تصدق عيناه الاسم الرابح (بطبيعة الحالة كان يؤدي دوراً مستهلكاً لفيلم عربي قديم) كان الفائز بالورقة هو رئيس الدولة “روبرت موغابي”!
أورد الكاتبان دارون أسيمغو وجيمس روبنسون القصة السابقة في كتابهما “لماذا تفشل الأمم؟” لإظهار حجم الفساد في المؤسسات الاستخراجية (أو الاستخلاصية) المهيمنة في زيمبابوي، وغيرها من الدول الفاشلة في مضمار التنمية الاقتصادية والسياسية التي تحكمها مثل تلك المؤسسات، حين تهيمن النخب الحاكمة على مقدرات الدولة وتستغلها لصالحها ولصالح الحلقات التي تدور في فلكها.
ليس بالضرورة أن تكون لعبة الحظ في ورقة “يانصيب”، فقد تكون في مناقصة عامة، قد تكون في تفصيل وظيفة خاصة لصاحب أو أصحاب الحظوة، وقد تكون في عشرات ومئات الأمثلة لإثراء وتفضيل “المؤلفة قلوبهم” في أجهزة الدولة، الأمثلة في عالم الفشل والقهر العربي كثيرة، ولا حاجة بكم أن تذهبوا بعيداً، فقط تلفّتوا حولكم.
يذكر ماركس أن التاريخ لا يعيد نفسه مرتين، إنما قد يقع الحدث التاريخي في المرة الأولى كمأساة، ويعيد نفسه كملهاة، الدول الاستعمارية، مثل بريطانيا وفرنسا، استغلت مستعمراتها عبر المؤسسات “الاستخلاصية” أي استخلاص موارد المستعمَرة لصالح الدولة المستعمِرة، وهذه هي المأساة، وحين تحررت الشعوب عبر النضال القومي أو بالاتفاق السلمي، تم نقل نهج المؤسسات الاستخلاصية extractive من المستعمر الأجنبي، إلى المناضل الوطني، وتلك هي الملهاة! وكأننا تحررنا من استغلال أجنبي غريب، لنقع تحت وطأة استغلال وطني قريب، أكثر سوءاً وفساداً ووحشية، مما يجعل البعض يترحم على أيام الاستعمار القديم.
يشدد الكاتبان على دور القضاء وحياده أو “انحيازه” في نقل الدولة من حالة المؤسسة الاستخلاصية إلى الحالة الضامنة الشاملة inclusive حين يسود حكم القانون، ويضمن خير الدولة لكل المواطنين حسب جدارتهم ومعايير الكفاءة، لا وفق معايير التزلف والتقرب إلى النظام الحاكم، وقد يكرس القضاء الحالة “الاستخلاصية” حين يصبح امتداداً طبيعياً للسلطة التنفيذية، يتلقى أوامرها “من تحت لتحت”، ويشرع باللغة القانونية الخاوية الوضع الاستغلالي الفاسد.
أكثر أهمية من القضاء، عند الكاتبين، هو السلطة الرابعة أي سلطة الإعلام، عندما يكشف عورات المؤسسة الاستخلاصية، أو قد يكرس الإعلام الحالة الاستخلاصية الفاسدة حين يكون تابعاً لتلك المؤسسة ويؤطر حالة الوهم وتزوير الواقع.
هناك الكثير مما يذكره الباحثان، كدور النمو التسلطي مثل الصين وكيف يمكن تصنيفه، أو نقل الدولة من المؤسسة الاستخلاصية إلى الشاملة الضامنة، وهل يمكن أن يصبح هذا النمو مستداماً مثل دول الغرب أو لا؟ وفي مكان آخر ينتقدان سذاجة الطرح الرابط بين ثراء الدولة واحترام حقوق الإنسان والحريات، وكأنهما يتحدثان عن دولنا، فليس صحيحاً ما كتبه الصحافي توماس فريدمان، بأن افتتاح مطاعم “ماكدونالد” في دولة ما كفيل بنقلها إلى عالم الحريات وحقوق الإنسان! ويؤكدان أنه قد تحدث ثورات وفوضى خلاقة تفك الدولة من عبودية المؤسسة الاستخلاصية الفاسدة لفترة ما، لكن تلك المؤسسات قد تعيد إنتاج نفسها تحت مسمى مختلف، ولنا في تجربة الربيع العربي عبرة… فحظ جماعات الحكم الاستخلاصي وتوابعها، سواء في إفريقيا جنوب الصحراء، أو أميركا اللاتينية (سابقاً) أو عندنا في الدول العربية يكسر الصخر.