ما هو العبط؟ العبط أن يقف الأستاذ بين الطلبة ممسكاً بـ..«غرشة» ممتلئة بعصير ليمون مصري، فيختبر طالبين، يضع قطرة في فم الأول، وأخرى في فم الثاني الذي «يغار» من الأول، يسألهم الأستاذ عن طعمها، فيقول الأول طعمها «حامض»، ومن منطلق المخالفة والغيرة يقول الآخر طعمها «حلو»، فصارت نتيجة الغرشة «حامض حلو»، وتسيد «العبط» الموقف.
رؤية الهلال وتحريه تأتي كل سنة و«زي كل سنة» بخلاف عبيط طعمه «حامض حلو»، فإذا أعلنت «سدير» رؤية الهلال في المملكة، أكدت «طهران» أن الهلال «مش موجود»، رغم أن سماءهم واحدة، وكأن لسان حال الهلال يقول متشرقداً فوق غيومه: شفيهم هذيل؟ صاحين؟! وقس على ذلك غيرها من الخلافات «الهلالية»، رغم أن حل هذه المشكلة يقع في دعوة الكل إلى مكالمة فيديو جماعية عبر «سكايب»، فيجتمع أنصار السنة في العراق وأنصار الشريعة في ليبيا، وبوكو حرام في نيجيريا وسرايا القدس في فلسطين، ومجاهدي خلق في ايران وطالبان في أفغانستان.. كلهم في فيديو واحد، وصوت واحد، ليتحروا هلال واحد، إلا أن الهلال في زمننا هذا، زمن دول «السايكس بيكو» لا يمكن أن يُرى في السماء، بل صارت رؤيته لا تتعدى سقف غرف اجتماعات الحكومات والقبب البرلمانية، فالأغلبية التي تصل إلى البرلمان، أو الديكتاتورية التي تحكم، سترسم وتلوّن هلالها.. على كيفها.. وعلى «مودها».
بحثت في حديث «صوموا لرؤيته» ووجدت اختلافاً بين العلماء حول فهمه وتفسيره، فمنهم من يرى أن لكل بلد رؤيته إذا اختلفت المطالع، ومنهم من يرى في اتباع أول من يرى الهلال، فلقيت أن الرأي الأول قد ينسف مقالي و«ماله داعي أكتبه»، حتى جاءت تلك اللحظة عندما عملت «زوم» على أخبار الصحف العراقية، لأكتشف أن نظرية العبط «حامض حلو» التي فقست في مخي، تعيش معنا على أرض الواقع، فالمرجع العراقي علي السيستاني أعلن أن الجمعة أول أيام رمضان، فيما أعلن كل من المرجع السيد كاظم الحائري ووزارة الأوقاف في أقليم كردستان وديوان الوقف السني «وزارة الأوقاف العراقية» أن الخميس هو غرة رمضان.
وقبل أن تنتهي حفلة «الهلال فين؟؟» .. انضم إليهم ضيف جديد ينطلق دائماً من قاعدة «خالف تعرف»، داعش التنظيم الذي ظهر إلى دنيانا «كالفقع» ومن حيث لا نعلم، أراد أن يشارك في حفلة الخلافات الرمضانية السنوية كونه عضو جديد -غير رسمي- على ساحتنا العربية، فقال في بيان رسمي له، أن يوم الجمعة الماضي كان أول أيام رمضان، ويكون بذلك قد حقق نظرية «العبط» وخلط«الحابل بالنابل» ورسم بيده الهلال رقم خمسة في سماء العراق فقط.
داعش عللت ذلك بأنها عجزت عن رؤية الهلال في السماء، والسبب بكل بساطة، أن الهلال الذي تبحث عنه داعش في السماء، مرسوم تحت أرجلهم على الأرض، فالوجود الداعشي على أرض العراق والشام، ومساهتمه الواضحة في بقاء نظام الأسد -حسب تحليل المتابعين للساحة- يؤكد لنا أن داعش ما هي إلا ريشة فنية رخيصة، وُجدت في هذه البقعة، لتساعد في رسم مشروع الهلال«الفارسي».
هذا الهلال الغابر الذي تطمح إيران إلى تنفيذه بداية من طهران الى بغداد مرورا بدمشق وبيروت وصولا الى غزة، واليمن إحدى مراحله، «ضيّق» صدر كل عربي خاصة عندما لاحظنا أن ملامحه تكاد أن تكتمل بلون الدم، ولأن «سدير سديرك لو ضاق صديرك»، استطاعت المملكة أن تتفوق على نفسها وتنتقل بخبرتها السديراوية في تحري الأهلّة في السماء، إلى تحريها على الأرض، فتحرت الهلال «الفارسي» في جنوبها، ومن منطلق «افطروا لرؤيته..»، أُطلقت مدافع الإفطار في وجه صعدة شمال اليمن، فتلاشى هلالهم، ورفع الضيق عن صدورنا، وذهب ظمأنا.. وابتلت عروقنا .. وثبت أجركم عند الله.. ومبارك عليكم الشهر.