تم فتح مكة في العشر الأواخر من رمضان من العام الثامن للهجرة الموافق 10/1/630 ميلادية أي في عز الشتاء، ولما كان الجهاد ذروة سنام الاسلام ومقدما على ما عداه، فقد ثبت ان الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة قد دعى بقدح ماء فرفعه حتى نظر المسلمون له ثم شرب إيذانا للمسلمين بالإفطار عند الجهاد، وهو ما يثبت أن إفطار المجاهد مقدم على إفطار المسافر أو المريض لعظم فائدته للإسلام. كما أن الإفطار عند لقاء العدو من أسباب القوة التي أمر بها رب العباد في الآية الكريمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، كما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: «إنكم مصبحوا عدوكم والفطر أقوى لكم فافطروا».
***
في يونيو 1948 خاض الجيش المصري الحرب في فلسطين، وقد صادف كونه شهر رمضان المبارك، وقد افتى شيخ الأزهر آنذاك حسنين محمد مخلوف بجواز إفطار المجاهدين في فلسطين، منعا لتسرب الضعف إلى صفوفهم وتأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحقيقة أن الصائم قد يضعف عند المنازلة، ولا يخفى ما في الضعف من إهانة للجنود والجيوش، كما أتى في الفتوى الصادرة في 12/6/1948 ومعروف في علوم العسكرية أن أحد أهم أسباب استسلام الجيوش هو عندما تطوق وتحرم من المأكل والمشرب.
***
وفي حرب رمضان المباركة عام 1973 أصدر الأزهر الشريف وعلماء سورية ما يسمح لجنود الجيشين المصري والسوري بالإفطار والقضاء في أوقات أخرى، والمعارك لا زمن محددا لها، فقد تبدأ من الصباح الباكر، ولا تنتهي حتى الليل، وهي تحتاج الى جهد عظيم من الأفراد، ودقة متناهية من الطيارين، وقادة الدبابات والمدفعية والمشاة والقناصة، وهو أمر يتحقق بشكل أفضل، كما تظهر جميع الدراسات انه عندما يكون المحارب في أحسن حالاته الصحية والجسدية والذهنية، فان الجوع والعطش يحد من قدراته.
***
آخر محطة:
1 ـ قبل حرب يونيو 67 قام علماء جامعة تل أبيب بعمل دراسة عملية لمعرفة مدى صحة العرف العسكري السائد القادم من أوروبا والقائل بأن الجندي يحتاج إلى ليتر ماء يوميا أثناء المعارك، وقد اثبتت التجربة التي اجريت على الجند في صحراء النقب أن حروب الصحراء والصيف تجعل الجندي يحتاج إلى 5 ليترات ماء، وهو ما زودوا به عسكرهم في تلك الحرب، وقد مات من جنود الجانب العربي من العطش بأكثر من قتلى الرصاص!
2 ـ سأل سفير الكويت في واشنطن قبل أيام من الغزو القيادة الأميركية عن كيفية معرفتهم في 28/7/1990 بأن الحشد العراقي قد تحول الى وضع الهجوم فأجابوه بأنه خلال الحشد الساكن يتم وضع الحاجات اللوجستية من مياه ووقود خلف الجيش أي في اتجاه البصرة لسهولة التعبئة، أما مؤخرا فقد تم تقديم المؤن إلى أمام الجيش في اتجاه الكويت مما يعني أنه سيتحرك للأمام، وقد اقترحوا ثلاثة أمور: مناورات برية ـ بحرية أو مناورات جوية أو بيان مشترك.