ما إن يحل علينا شهر الصيام والمغفرة والخير حتى تهل علينا معه في وسائل الإعلام أسئلة وإجابات ما أنزل الله بها من سلطان، فهناك من يسأل عما يعرفه الطفل الصغير، والبعض الآخر يسأل عن أمور لا تحدث إلا في الخيال، وثالث تسمع منه إجابات عن أسئلة مصابين بأمراض مزمنة خطيرة دون اختصاص أو اطلاع على فحوص وتحاليل السائل، وتلك الإجابات في الأغلب تضيق واسعا وتمنع الرخص الربانية، ولا يهم بعد ذلك إن أدت تلك الفتاوى بالسائل إلى القبر.
***
وهناك إجابات وإفتاءات تصدر دون سؤال أهل الاختصاص كحال أسئلة الصيام على الطائرة للركاب وأطقم الطائرات، حيث يفتي البعض بوجوب الصوم حتى يختفي قرص الشمس دون معرفة أن علو الطائرة وتوجهها نحو الغرب يجعل الشمس ساطعة طوال الوقت، كما يفتي آخرون بالإفطار حسب توقيت البلد الذي تحلق فوقه الطائرة دون معرفة أن الطائرات تحلق لساعات فوق محيطات وصحارى لا يعرف توقيت الإفطار فيها.
***
وهناك الإشكالية المتكررة لكيفية صيام الساكنين في أقصى شمال أو جنوب الكرة الأرضية من المناطق ذات التواقيت غير المنتظمة، حيث تسطع الشمس أو يخيم الليل ما يقارب 24 ساعة في اليوم، حيث يوصى بالصيام على مواقيت أقرب بلد إسلامي دون تعريف ماهية البلد الإسلامي، أي هل الذي يقطنه مسلمون كحال ألبانيا الشيوعية أو البلد الذي يحكم بالإسلام؟! وماذا إذا كانت تلك القرية أو المدينة في أقصى الأرض أغلب أو جميع سكانها من المسلمين ومن ثم فهي الأقرب لذاتها؟ فكيف لأهلها الصلاة والصيام؟ وماذا عن رواد الفضاء والمتوجهين مستقبلا للكواكب السيارة الأخرى، حيث لا شمس ولا قمر أو شموس وأقمار؟!
***
قد يكون الحل هو باستخدام ما سخره رب العباد من أدوات علمية كالساعة مثلا التي يصوم ويفطر الناس على مواقيتها في كل الأوطان والأزمان، فلا يحتفظ أحد بعمود ليقيس ظله أو بخيطين أبيض وأسود لمعرفة مواقيت الإمساك والإفطار، ومن ثم يمكن لعلماء المسلمين ومراجعهم تحديد مواقيت الصلاة والصيام في تلك البلدان، والحال كذلك لرواد الفضاء مستقبلا، علما بأن جميع العبادات قد اشترطت الاستطاعة للقيام بها، فلا تفرض الصلاة على مجنون، ولا يفرض الصيام على مريض، او الحج على عاجز، او الزكاة على فقير أو الشهادة على الأبكم، وبذا ينظر في عدم توافر شرط الاستطاعة للساكنين في تلك المناطق النائية أو لرواد الفضاء وساكني الكواكب الأخرى مستقبلا!
***
آخر محطة: ما يحل جميع تلك الإشكالات ويمنع تكرارها كل عام هو مرونة وسماحة وحكمة وذكاء وعصرية من يقوم بالإفتاء، وما يساهم في تكرارها هو التشدد وعدم الاطلاع على علوم العصر وحقائقه عند نشر الفتاوى.