توفي في بغداد -قبل أسابيع- أقدم معارض عراقى ضد نظام صدام حسين، ويسمونه «عميد المعارضين» وهو «سعد صالح جبر»، عن عمر ناهز الـ85 عاما، ابن رئيس وزراء العراق في العهد الملكي «صالح جبر» والذى اشتهر -هو ونوري السعيد- بهتاف العراقيين ضده في المظاهرات عقب توقيعه اتفاقيه مجحفه مع بريطانيا في الأربعينيات حين نزلوا إلى الشوارع يصرخون..«نوري السعيد..قندرة، وصالح جبر..قيطانها»،و«القيطان» باللهجة العراقية تعنى..الخيوط! وبالكويتى تعنى: «نوري السعيد..جوتى، وصالح جبر خيوط الجوتى»!!
العميد «سعد» غادر العراق بعد أيام على نجاح حزب البعث في الانقلاب الذى أوصله للسلطة أواخر الستينات، وقد حاول بالإتفاق مع ضابط جيش برتبه لواء هو «عبدالغنى الراوى» على القيام بانقلاب ضد..الإنقلاب، لكنه فشل، وحاول الحصول على دعم من شاه إيران لإسقاط «البعث» لكنه فشل..أيضاً!!
لم ييأس، ودفعه كرهه لصدام حسين وجماعته للوقوع في موقف تاريخي طريف مازال العراقيون والأردنيون يذكرونه، إذ شكل وفداً ثلاثياً منه ومن السيد «مهدى الحكيم» والشيخ «طالب السهيل» الذى اغتالته المخابرات العراقية بعد ذلك بسنوات، وذهبوا للقاء الملك الراحل «حسين» وطلبوا منه دعم بلاده لاسقاط حكم البعثيين في العراق، فما كان من الملك إلا أن..«رفع كلتا يديه إلى السماء طالباً من البارى عز وجل أن يوفق المتآمرين في مؤامرتهم ضد حكومة أحمد حسن البكر»..وكفى الله المؤمنين شر القتال!
زار الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً، وله علاقات قوية مع الحزب الجمهورى ثم أصدر جريدة باسم «التيار» وحزباً سياسياً باسم «حزب الأمة الجديد»وصرف على المعارضة الموجودة في لندن -ذلك الزمان- من حر ماله!
كان «سعد» غنياً، بل مليارديرا، يتوسط في عقد الصفقات بين الدول، وله علاقات تجارية ضخمة مع دول الخليج، بل أنشأ شركة طيران في أمريكا أطلق عليها اسم «جبر-لاين»، وأكثر من ذلك كان وكيل محركات «رولز-رويس» للطائرات في الشرق الأوسط، أى أن أي طائرة تشتريها أى دولة في المنطقة مركب عليها محرك «رولز-رويس» لابد أن يقبض «سعد صالح جبر» نسبة خمسة بالمائة كعمولة..له!!
يصفه الزميل العراقي «فائق الشيخ على» بأنه..«رجل يمتاز بالطيبة والكرم والأخلاق والأصالة العراقية»، وقد عاد إلى بلده عقب سقوط بغداد بعد غياب قسرى عن وطنه إستمر 35 عاماً، وبالرغم من تاريخه الطويل في النضال ضد «أبو عدى» إلا إن الأمريكيين جاءوا ومعهم «الجلبى وربعه» من واشنطن، و«نورى المالكى وربعه» من طهران، وتركوا هذا المواطن العراقي الذى رفعت عليه زوجته قضايا «حجر على أمواله» لأنه كان يصرفها على دعم معارضة شعبه ضد حاكم..دكتاتور!!
قبل حوالى 72 ساعة، كنت في قاعة الدرجة الأولى بمطار «دبى» قادماً من «سان فرانسيسكو» وخلال فترة «ترانزيت» استغرقت خمس ساعات حين التقيت برجل أعمال عربي ملياردير كان «تاجر سلاح» خلال الحرب العراقية الإيرانية والتقيته في الكويت في أوج ذلك الصراع منتصف الثمانينات، وعندما لم نكن نعلم هل الصواريخ التى تطلق على ناقلات نفطنا الكويتية جاءت من زوارق إيرانية أم من طائرات عراقية، وقد أخبرنى -وقتها- وأنا أتناول معه طعام الغداء في جناحه الفندقي وهو يضحك: «الاثنان معاً كانا..يقصفانكم، الإيراني انتقاماً من دعمكم لصدام، والعراق لأنه أنهك من الحرب ويريد توسيع نطاقها حتى..تتوقف» وتطبيقا للقول الشامي المعروف في مسلسل باب الحارة « إذا ما كبرت ..ما بتصغر» كان ينتظر موعد إقلاع طائرته إلى ألمانيا وكنت أنتظر موعد إقلاع طائرتى إلى الكويت، فطرحت عليه سؤالاً خطر ببالى -ولم يعجبه كثيراً- قلت له فيه..«لماذا يمرض رجال المال من داء السياسة»؟ أى..«لماذا لا يقتنع صاحب المال بما رزقه الله ويعمل في تجارته بعيداً عن السياسة؟ وما هي الأسباب التى تدفع بأهل المال الأصحاء لأن يزجوا بأنفسهم في مرض..السياسة»؟!!
استرسل الرجل في إجابته معى إلى درجة أننى نبهته -لأكثر من مرة- بأن «النداء الأخير» لطائرته قد مر عليه أكثر من ربع ساعة..دون جدوى!
حديثه كان طويلاً سنجد وقتاً -ذات يوم- لنشره، لكن أهم ماجاء فيه أن «مرض السياسة يذهب بصحة المال فيقضى على صاحبه» مثلما احتاج الملياردير -وكيل محركات «رولز-رويس» السابق الراحل «سعد صالح جبر» ابن أشهر رئيس وزراء للعراق أن يتقدم بكتاب استرحام إلى الحكومة العراقية التى جاءت بها عمائم ملالي إيران يطلب فيه راتباً تقاعدياً يعينه على ثمن رغيف خبز يأكله، وحبة دواء..تعالجه!!