هنا في منطقة الشرق الأوسط، حيث ينتشر الخداع وتصدّق الناس ما تسمع لا ما ترى، مَن يتم خداعه بكلمات ليست كالكلمات، فحواها أن الغرب يدعم الليبرالية في دولنا ويحارب التوجهات المؤدلجة، لذا وطبقا لتلك المعادلة الخاطئة تماما تقوم الجموع بالمنطقة بمعاداة الفكر الليبرالي من منظور أنه قريب أو حتى «عميل» للغرب، ويتم بالمقابل تأييد التوجهات المؤدلجة المعتدل منها والمتشدد ـ بحجة أنها المعادي الحقيقي لهيمنة الغرب وهي من سينتصر عليه بالنهاية، وينهض بدول المنطقة وشعوبها عبر «العودة بها قرونا للماضي حيث العصور الذهبية، والحقيقة هي كالعادة أبعد ما يكون عن تلك المقولة والخطأ الشائع المنتشر في عقول الكثيرين من نخب وعامة.
****
فالحقائق تظهر أن الغرب هو المخذل الأول للتوجهات الليبرالية في المنطقة كونه قد تعلّم من تجربة شرق آسيا وغرب أوروبا بعد الحرب الكونية الثانية حيث تسبب الفكر الليبرالي في وقف الحروب وإطلاق العقل وبدء النهضة العلمية والصناعية والزراعية حتى تحولت أممهم من دول عالم ثالث إلى عالم أول وباتت تنافس الغرب ذاته في تقدمه وصناعاته ومنتجاته الأخرى وبدلا من أن تصبح سوقا له أصبح هو سوقا لها.
****
وتظهر الحقائق نفسها التي لا خلاف حولها أن التوجهات المؤدلجة بجميع أطيافها وفي جميع الدول التي وصلت للحكم فيها قد تسببت في خلق حروب طائفية أهلية وخارجية جعلتها بالتبعية تسخر موارد دولها لا للتنمية والرفاه والتعمير بل لشراء الأسلحة من الشرق والغرب بأبهظ الأثمان تستخدمها في تدمير أوطانها وجيرانها وقتل أعدائها مما جعل دولها وشعوبها أسواقا رائجة لاستيراد كل المنتجات التي تصنعها الدول الليبرالية بالعالم حيث لا صناعة ولا زراعة فيها، بل أتباع يعيشون في الماضي السحيق ليستحضروا منه كل ما يفرقهم ويبرر لهم قتل بعضهم البعض، كما ان دولهم ليست عادلة كونها لطرف على حساب طرف آخر، وبات جليا ان الدول المتقدمة والصناعية هي التي تدعم بشكل حقيقي وتستضيف القيادات والتوجهات المؤدلجة بكل ألوان طيفها وتخذل بشكل تام التوجهات الليبرالية.
****
آخر محطة:
1- تقف الدولة الليبرالية بجميع أشكالها على مسافة واحدة من كل الأديان والطوائف، لذا يترسخ العدل والسلام الاجتماعي في ربوعها، كما أن تشجيعها للعلوم الحديثة والنهضة وتسخير الجهود والموارد للتنمية والرفاة، لا للحروب، يتسبب في حقن دماء أبنائها وتعمير بلدانها، ودول الخليج خير مثال على ذلك.
2- عندما احتاج الغرب لحلفاء إبان حربه ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان والمنطقة كان المؤدلجون ـ لا الليبراليون ـ خير الحلفاء، وعندما اقتضت حاجة المصالح الكبرى في الغرب بعد سقوط الاتحاد السوفييتي لخلق أعداء كان المؤدلجون ـ لا الليبراليون ـ كذلك خير الأعداء.. ولا عزاء للأغبياء وما أكثرهم!