الإشكالات السياسية للأوطان هي كما ذكرنا سابقا أقرب للأمراض للأبدان لا يمكن الشفاء منها دون التشخيص الدقيق والصائب للمرض حيث يؤدي التشخيص الخاطئ لإعطاء العلاج الخاطئ فيبقى المرض ويتطور ويزداد سوءا حتى يؤدي إلى موت الإنسان، وتفكك واندثار الأوطان.
***
لذا يجب أن يشخص ويوصف ما يحدث بالمنطقة بشكل صحيح كي يمكن العلاج والشفاء قبل أن يتفشى المرض الخطير وينتقل بالعدوى للآخرين الأصحاء فيقتلهم، إن الصراع القائم بالمنطقة ـ إذا ما أبعدنا عن صراخ الغوغائية والثورية الكاذبة الذي يصم الآذان ـ عبارة عن طرف يؤمن بحمل السلاح والخروج على شرعية الدولة ومعها الشرعية الدولية (جميع الميليشيات المسلحة مصنفة على أنها منظمات إرهابية) ومقاتلة شركاء الأوطان بذلك السلاح دون أن يكون لذلك الطرف مشروع تنمية وبناء دولة عادلة للجميع لا تنظر لانتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الطائفية لذا نجد أن جميع تلك المنظمات المسلحة ودون استثناء (داعش، النصرة، القاعدة، انصار الله، حزب الله، عصائب الحق، الحشد الشعبي، المحاكم الشرعية الصومالية، فجر ليبيا، حماس، الجهاد الإسلامي…إلخ) هي المتسبب الأول في المشاكل وستبقى الاشكالات ما بقيت الاسلحة بيد الميليشيات ما دمنا وبغباء بالغ ندافع عنها وعن خروجها على الدول على نهج أن شيطان جماعتنا (الذي يروم قتلنا وتدمير بيوتنا بحروبه على الآخرين) خير من شيطان جماعتهم دون الانتباه إلى أن جميع تلك المنظمات كذلك تروج للطائفية والفئوية البغيضة وتؤدي أجنداتها بالضرورة للخراب وتقسيم الأوطان لا توحيدها وتعميرها.
***
يقابل ذلك النهج الآخر المتمثل بالإيمان بالدولة المدنية العادلة وضرورة حصر السلاح لدى الدولة الشرعية القائمة كالحال في جميع الدول المتقدمة الآمنة، والغريب أن جميع المنظمات الميليشاوية الطائفية التقسيموية تعمل في دول بها انتخابات حرة نزيهة فإذا كانت تدعي أنها تمثل الأغلبية فلتشارك بالانتخابات وتحوز أغلبية المقاعد في البرلمان وتعدل ما تريد تعديله لتحقيق مشروع الدولة العادلة لو كان هذا حقا ما تدعو إليه.
كما تظهر الحقائق ان تلك الميليشيات قد دخلت الانتخابات ولم تحز الأغلبية التي تدعيها أو حاز البعض منها على أغلبية بالتحالف مع الآخرين إلا أنها استخدمتها كحال السلاح لإلغاء مشروع الدولة فأوقفت الاستحقاقات الرئاسية والوزارية والبرلمانية وإحالة مصير الدولة القائمة للمجهول.
***
آخر محطة: في هذه الفترة الحرجة غير المسبوقة من تاريخ دول المنطقة علينا أن نقرر جميعا إما الاستماع للخطاب الطائفي الرخيص المدغدغ والمدمر ونرفع السلاح بوجه بعضنا البعض حتى لا يبقى منا بشر ولا حجر فوق حجر، أو نقول «وداعا للسلاح» أيا كان مصدره ودعاويه وندعو جميعا لدعم شرعية الدول ونعمل على التغيير للأفضل عبر الوسائل السلمية لا عبر الحروب والاغتيال والتفجير، والخيار بالنهاية في يدنا جميعا… إما خيار الموت أو خيار الحياة!