حين تقطع المسافة بين الكويت ولبنان -مثلاً- بسيارة أو طائرة أو حتى على دراجة نارية وهي تبلغ حوالى 1400 كيلو متر وفي شهر تموز أو آب، فإن الطقس وحده لا يتبدل عليك بين الكويت الساخنة وبيروت المنعشة، بل تتبدل السلوكيات والعادات والأعراف والتقاليد وحتى طريقة التفكير والنظر إلى الأمور -بكل أشكالها- بصورة مختلفة!!
لا أريد أن اكتب مقالا فلسفياً، فهو ليس من طبعى، بل اعتدت على كتابة نقاط واضحة تتطرق مباشرة إلى الموضوع -لذلك- سأضطر وأقول إننا -في الشرق الأوسط- نبكى على قتلانا الذين يسقطون منذ عشرات السنين، مرة بيد الأتراك العثمانيين، ثم القوى الإستعمارية البريطانية والفرنسية وحتى البرتغالية، ثم تأتى الأمريكية والإسرائيلية، ليتبعها القوى «الداعشية» و«القاعدية» و«الطائفية» و«السرورية» و«الجامية» و«أجناد القدس البهية» و «عصائب الحق اللولبية» و«كتائب مقتدى الصدر العرمرمية» إلى ..آخره!!
كم عدد أرواح المسلمين التى أزهقت، ولن أقول منذ خروج آخر ملوك بني الأحمر من الأندلس وبكائهم -كالنساء- على إمبراطورية لم يحافظوا عليها مثل الرجال، بل سأقول..«كم روحاً مسلمة أزهقت منذ أن تولى شؤون المسلمين جزار عثماني باسم دولة الخلافة»؟ وكم قتلت إسرائيل؟ وكم قتل صدام حسين؟ وكم قتل ملالي إيران؟ وكم قتل أسامة بن لادن؟ وكم قتل «عبدالله عزام»؟ وكم قتل «الزرقاوى والبغدادى والنجفى والمغربى والموصلى»..وانت رايح؟!!
كم ليتراً -تتوقعون- من الدموع التى ذرفتها أمهات المسلمين وآبائهم وخالاتهم وعماتهم وبنات عماتهم وأبناء خالاتهم على من سقط شهيداً أو قتيلاً أو جريحاً أو معاقاً أو مصاباً طوال كل تلك السنوات؟!
سنقف عند هذا الحد، لأن حبل الألم طويل، وهو مبلول حتى الثمالة بدموع كل هؤلاء المسلمين حتى ليصعب عليك أن تمسك بطرفه وتشده لتصل إلى نهايته، وتقول: ماذا لو عبرت المحيط الأطلسى ووصلت إلى المحيط الهادى في رحلة طولها خمسة عشر ألف كيلومتر لتصل -مثلي- إلى مدينة «سان فرانسيسكو» في أكثر نقطة بعيدة عن بلاد المسلمين وبحار..دموعهم؟!
في اليوم الأول لوصولى إلى هذه المدينة انفجر إنبوب نفطى يمر تحت مياه المحيط قرب سواحل «سان فرانسيسكو» وتلوث الشاطئ بحوالى نصف مليون غالون من وقود الديزل!!
استيقظت صباح اليوم التالى في غرفتى بالفندق، وكالعادة، فإن أول نشاط أقوم به لحظة الاستيقاظ هو فتح باب الغرفة والتقاط الصحيفة الموضوعة أمامه!
هذا إن كنت في بلاد تتحدث الإنجليزية، أما لو كنت في بلاد تركب الأفيال وتتحدث بـ«اللاوندية والسواحلية والهيروغليفية والألمانية والصربية والكرواتيه»..إلى آخره، فإننى أفتح التلفزيون وأبحث عن محطة تنطق..بالإنجليزية!!
المهم، وقع نظرى على مانشيت فى الصفحة الأولى كتب على ستة أعمدة -أى أكثر من نصفها- ومعه صورة لـ..«لابوستر» ضخم بحجم ديك منزلى من أيام الطيبين ولونه يختلط بين الأحمر والأسود!!
الأحمر هو لونه الأصلى، والأسود لون الديزل العالق به!
كان «اللابوستر» قد «استشهد» بسبب هذا التسرب، وصحيفة «سان -فرانسيسكو كرونيكال» كتبت تقول: «انظروا إلى هذه الجريمة البشعة التى أدت إلى مقتل هذا المخلوق الجميل»؟!
ثم يتساءل الكاتب: «هل أجرمت هذه المخلوقات الضعيفة بحق شركات البترول العملاقة حتى تلقى هذا المصير..الدموى»؟!!
لا تنسوا إنهم هنا يتحدثون عن..«قبقب عود..مات»، ليس طفلاً فلسطينياً أثناء قصف إسرائيلى، ولا شاباً كويتياً أثناء غزو عراقي، ولا إمرأة مصرية أثناء تفجير إخوانى، ولا شيخاً ليبياً أثناء رمي بقذائف قطرية، ولا رضيعاً أثناء قصف حوثي!!
نحن نبكى على البشر، وهم يبكون على..«اللابوستر»!!
ملح دموعنا..أعمانا! و«ديزلهم» أغرق «قباقبهم» المسكينة!!
الشرق شرق والغرب غرب..ولن يلتقيا إلى يوم القيامة!!