عندما كان الخلاف مستعرا في أوروبا على معطى الأديان والطوائف والأعراق بقيت الحروب مشتعلة لقرون عدة، وعندما تحول إلى خلاف أيديولوجي على معطى نظريات اليسار واليمين، والعمال والبرجوازية أمكن احتواؤه وتوقفت الحروب واستطاعوا في النهاية توحيد أوروبا، لذا علينا ان نحيل الخلاف بين شرق الخليج وغربه الى خلاف أيديولوجي، لا طائفي (سنة ـ شيعة) او عرقي (عرب ـ فرس) كي يمكن لأيديولوجية معينة ان تضم السنة والشيعة والعرب والفرس تقابلها أيديولوجية أخرى مضادة تضم كذلك السنة والشيعة والعرب والفرس ويصبح حل النزاع ممكنا لا بالحروب بل بالإقناع حول من تثبت الحقائق صحة نهجه لخدمة شعبه وتوفير الرفاه له.
***
وخطوط تقاطع التباين الأيديولوجي بين شرق الخليج وغربه واضحة وسهلة، فالشرق يؤمن بالثورة (Revolution) كوسيلة للتغيير وتحقيق الآمال والتطلعات، وبمعاداة الدول الغربية وبمبادئ تصدير الثورة للدول الأخرى كالعراق وسورية ولبنان واليمن وفلسطين.. إلخ، ومعها خلق ميليشيات عسكرية في تلك الدول لا تخضع بالضرورة لسيطرة الشرعية فيها كي تصبح مصدا لها كحال نظرية الكومنترون (Comintern) في بدايات نشوء الاتحاد السوفييتي وان الزمن سيؤدي لانتصار هذا المعسكر الثوري وبالطبع لمن يؤمن بهذا النهج ان يتبع ذلك المسار.
***
في المقابل يؤمن غرب الخليج بقضية التطور الطبيعي للمجتمعات (Evolution) وعدم الحاجة للثورات وللنهج الثوري وان التقدم والتطور ورفاه الشعوب تحتاج الى تعزيز السلام الاجتماعي في الدول ودعم مبادئ الشرعية وسيادة القانون وصداقة الدول المتقدمة والمؤثرة في العالم، وعدم الخروج على الشرعية الدولية او التضاد معها كي لا تفرض العقوبات التي تؤثر على رفاه الشعوب، وان الثورات ومعها الانقلابات لا تحل الإشكالات قط بل تزيدها سوءا وتعقيدا، وبالطبع لمن يؤمن بهذا النهج سواء من غرب الخليج او شرقه ان يتبع هذا المسار وينظر له ويدافع عنه وفي كل الأحوال لا يقبل بأن يتحول التباين الأيديولوجي على اي من النهجين أصح، إلى نزاع مسلح او تدخل بالشأن الداخلي للطرف الآخر.
ان بقاء الصراع قائما على معطيات الأديان والمذاهب والأعراق كما هو الحال القائم (ما لم نغيره) يهدد بحروب تستمر لعقود وربما لقرون وبتقسيم جميع دول المنطقة دون استثناء فما لم يقسم اليوم سيقسم غدا وسيكون الانتصار ان تم أمرّ من الهزيمة، وسيتفشى الإرهاب والإرهاب المضاد وسيكون الضحايا هم الأبرياء من الرجال والأطفال والنساء وستتحول الأوطان العامرة الى خرائب مدمرة تتصارع فيها الوحوش وستذهب أموال وثروات الشعوب لشراء الدبابات والمدافع اللازمة لتلك الصراعات بدلا من شراء الجرارات الزراعية وتعمير المصانع، وستربى الأجيال على تعلم القتل بدلا من تلقي العلم وهذه خريطة المنطقة المستقبلية الواقعية اذا ما استمررنا على ما نحن عليه من تأجيج الصراع على معطى العرق او الدين او المذهب!
***
آخر محطة: التحول الى التباين الأيديولوجي بدلا من الصراع الطائفي والعرقي يصب في نظرنا لصالح النهج الخليجي حيث الرفاه والتنمية والاستقرار الأمني والسلام الاجتماعي لذا يجب ألا نقبل من الدببة التي تدعي الدفاع عنا استخدام مفردات تدل على ان الصراع قائم على معطى الطوائف والأعراق، فنحن الخاسر الأكبر من هذا التصنيف.