اسمه «كامب-ديفيد»، له سمعة سيئة فى العالم العربى، وكان المرحوم «القذافى» يسميه «إسطبل-داود»!!
إنه منتجع يقع فى مناطق ساحرة وخلابه فى جبل اسمه «كاكوتين» بولاية «ماريلاند» الأميريكية ويبعد مسافة مائة كيلومتر عن المدخل الرئيسى للبيت الأبيض فى العاصمة..واشنطن!!
مساحته حوالى 200 فدان، والفدان حوالى أربعة آلاف متر، أى ما يعادل مساحة مزرعة «متروسة ذبان» فى الوفرة -مع الفارق بالطبع- ومصنفه «هذه المزرعة» كقاعدة عسكرية تديرها القوات البحرية للولايات المتحدة الأميركية ووكالة المخابرات المركزية!!
أى إن العمالة التى تم توظيفها بالداخل من جنود ومجندات القوات المسلحة، وهى ليست مفتوحة للعامة من الناس، بل لا يتم وضعها على خارطة الولاية من الأساس كإجراء أمنى، ومخصصة -فقط- للرئيس وزوجته وأولاده وضيوفهم..فقط لاغير!!
الرئيس الأسبق «فرانكلين روزفلت» أطلق عليه اسم «شانغرى» وهواسم «الجنة» التى تخيلها الكاتب البريطانى «جيمس هيلتون» فى روايته الشهيرة «الأفق المفقود»، لكن الرئيس الذى جاء بعد ذلك وهو «دوايت-إيزنهاور» هو من أطلق عليه إسم «كامب-ديفيد» تيمنا بإسم حفيده..«ديفيد» وقد أبلغنى أحد الزملاء المصريين المخضرمين الذين كانوا مع الوفد الرسمى للرئيس الراحل أنور السادات فى عام 1979 أثناء مفاوضات السلام مع الإسرائيليين داخل هذا المنتجع..«إنه مكان كالخيال، يصلح لقضاء شهر العسل وليس للحديث مع..يهود»!!
هذا المكان الساحر يتضمن مكتب للرئاسة وأجنحه لإقامة الضيوف وحمام سباحة وقاعة اجتماعات وإسطبلات خيل، أما من يعشقون رياضة المشى، فسوف لن ينسوا على الإطلاق السير بين أشجار الصنوبر والسرو الباسقة وسماع صوت خرير المياه بين الصخور دون..رؤيتها!!
السماء التى تقع فوق هذا المكان محمية بقوة إسمها «دلتا» هى ذاتها من تحمى سماء البيت الأبيض، وقد حدث فى عام 2011 أن ضل قائد طائرة صغيرة طريقه ودخل أجواء المنتجع فخرج سرب من سلاح الجو الأميركى يكفى لتدمير البصرة والناصرية والحلة..لإعتراضه وإبلاغه بأن ذلك..«عيب وما يصير وإستح على ويهك»!!
قلنا فى البداية إنه له «سمعة سيئه» هذا المنتجع فى العالم العربى، وليس لأنه «مكان للدعارة» كما يعتقد عدد من المحامين القطريين والكويتيين فى قضايا رفعوها ضدى لأنهم لا يفهمون «السمعة السيئه» إلا..بالنسوان، بل لأن إتفاقيه السلام الشهيرة بين مصر وإسرائيل وبرعاية أميركية ثم التوقيع عليها بداخله بين الراحل السادات والراحل مناحيم بيغن -رئيس وزراء إسرائيل- وبحضور ومباركه الرئيس الأميركى الأسبق -الذى مازال حيا يرزق- «جيمى كارتر»!!
جراء ذلك الأتفاق، إنفجر الغضب العربى فى كل مكان، وإتهم «السادات» بأنه قد باع قضية فلسطين، فظهر -ما يسمى- بـ«جبهة الصمود والتصدى» التى تكونت من: «اليمن الديمقراطى-الجنوبى، والعراق وليبيا والجزائر وسوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية»، وأسرع «صدام حسين» لعقد قمة عربية فى بغداد لبحث تداعيات هذا الأمر، وبضغوطات منه، ثم قطعت كل الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع مصر..بإستثناء سلطنه عمان التى رفعت علمها على كل سفارات وقنصليات مصر فى العالم العربى بإعتبارها «راعية للمصالح المصرية»، وكذلك، جرى فى القمة نقل مقر الجامعة العربية من القاهر إلى تونس، وتغيير الأمين العام من مصرى إلى..تونسى!!
بعد أكثر من 35 سنة على توقيع اتفاقيه السلام المسماة بـ«كامب-ديفيد» بين مصر وإسرائيل وهي مثار جدل و«حمالة أسيّه» فى العالم العربى، فهناك من يرى انها «مزقت الأمة وأخرجت مصر من الصراع العربى الإسرائيلى وسمحت بغزو لبنان عام 1982 وأعادت القضية الفلسطينية إلى المربع الأول و..و..و..»!!
لكن..فى الجانب الآخر، يرى أصحاب نصف «الكأس الممتلئ» إنه لولا «كامب-ديفيد»، لكانت صحراء سيناء الأن تعج بمئات المستوطنات الإسرائيلية ولكان عدد المستوطنين اليهود بداخلها أكثر من عدد بدو هذه الصحراء التى تبلغ مساحتها أربعة أضعاف مساحة الكويت، ترفرف فوقها الأعلام البيضاء والزرقاء ويعيش أهلها تحت ظل إحتلال الله وحده يعلم متى..سيزول!!
ولكى تعرفوا قيمه صحراء سيناء بالنسبة لليهود، عودوا إلى التاريخ البعيد وحكاية «التيه والضياع» التى عاشوها لأربعين سنة فوق رمالها،وكيف بكى جنود الدولة العبرية -كالنساء- وهم ينزلون علمهم ويهدمون المستوطنه الوحيدة التى بنوها وكان إسمها «ياميت» فسخر منهم المصريون وأسموها..«ياميت-ندامة»، حين غادروها عقب الإتفاق!!
خلال ساعات -لا أدرى عددها- سوف يجتمع الرئيس الأميركى «باراك أوباما» مع أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الخليجى فى منتجع «كامب-ديفيد» للتباحث والتشاور حول أمن الخليج والشرق الأوسط برمته، وما بين «كامب-ديفيد» الأول، و«كامب-ديفيد» الثانى يبقى السؤال: «هل سيشق الثانى صف الأمة العربية والإسلامية مثل الأول، أم إنه سيخيطها ويلئم جراحاً عديدة تفتقت علينا منذ الخامس من حزيران عام 1967..وإلى يومنا..هذا؟!
***
..آخر العمود:
..فى عام 1992، أقامت «دورثى جورج بوش-الأب» حفل زفافها فى منتجع «كامب-ديفيد» لتكون أول عروس تتهادى بفستانها الأبيض داخل هذا المكان الجميل منذ إنشاءه قبل أكثر من 80 سنة!
«يالله من فضلك» وليس فى صالة «بيان» للأفراح!!