كلنا يتابع منذ فترة أن هناك حملة شرسة على كل ما هو متصف بالصبغة الاسلامية، هذه الحملة أستطيع ان اطلق عليها من وجهة نظر شخصية «مشروع علمنة المجتمعات الاسلامية»، وهو ايضا ما تم تناوله من قبل المفكر الاسلامي الكبير «سيد قطب» «رحمه الله» عندما قال مقولته الشهيرة «انهم يريدون إسلاما أمريكيا اسرائيليا يستفتى في نواقض الوضوء ولكنه لا يستفتى في اوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية»، نعم انه واقع مؤلم. كيف يحدث ذلك؟
اعتقد ان مشروع «علمنة المجتمعات الإسلامية» قد بدأ بالفعل باجراءات ترجمت على أرض الواقع كلنا يعيشها حاليا حيث استخدم اصحاب هذا المشروع لتحقيق اهدافهم نفس الأدوات التي استخدمت في علمنة المجتمعات الغربية، وذلك من خلال إفساد المؤسسات الدينة النصرانية «بالمال»، وجعلها السبب الرئيسي في تخلف الغرب، حتى فصلوا الدين عن الدولة، ولكن في تنفيذ مشروع علمنة المجتمعات الإسلامية كانت المداخل مختلفة، اذن ما هي المداخل؟
اعتقد ان المدخل الأول هو القضاء على ما يعرف بالحركات الاسلامية المعتدلة، والسماح لحركات أخرى اكثر تشددا بأن تنشط وتكسب مساحات وقتية ومن ثم توجيه الآلة الإعلامية لتشويه صورة الاسلام، ثم الانطلاق نحو القضاء عليها بحجه الارهاب ولك خير دليل على ذلك في محاولات القضاء على حركة الاخوان المسلمين، وإعطاء «داعش» الضوء الأخضر للتمدد وتصيد الأخطاء لتشويه صورة الاسلام والمسلمين ومن ثم التحرك للقضاء على «داعش» وهو مطبق حاليا، فيتم بذلك القضاء على كل الحركات الاسلامية، وابقاء نوع واحد من تلك الحركات الذي يهتم بنواقض الوضوء على حساب أحوال المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هذا بالاضافة الى التأثير على مختلف الحركات الاسلامية وحثها على تغيير خطابها الدعوي والذي هو أساس وجودها ووظيفتها الى خطاب سياسي محض يعتمد في أطروحاته بشكل غير مباشر على الميكافلية «الغاية تبرر الوسيلة» وكذلك في بعث روح التراخي في بعض أحكام الشريعة وخصوصا في مسألة فصل الجهاد عن الإسلام وتصويره على انه ارهاب وهذا ما يناقض قول الله تعالى:
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ ).
اما المدخل الثاني فيكمن في القضاء على اللغة العربية، وصرف الاهتمام عنها، وعن فهمها، وذلك من خلال حركة في شكلها العام ثقافية ولكن في مغزاها تدميرية، حيث انتشر في الآونه الاخيرة الاهتمام بتعميم اللغات الأجنبية في مختلف مراحل التعليم، وهذا امر مطلوب ولكن ليس على حساب اللغة العربية لغة الاسلام، فالكل يعي ان المجتمعات الاسلامية تكمن مرجعيتها في تعاليم الشريعة السمحاء، وهو ما يستلزم التعمق في فهم اللغة لكي نفهم تلك المرجعية ، يقول تعالى في محكم التنزيل (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) كما قال تعالى ايضا (وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) ان تلك الآيات الكريمة تبين ان على المسلم التعمق في فهم اللغة العربية لكي يفهم مرجعيته وتعاليم دينه، ولكننا نعاني اليوم من هجمة شرسه على هذا النحو، حيث بدأ تشويه اللغة من خلال ابعاد الناس عنها، وتصويرها بأنها لغة جهل، سواء في مدارسنا او جامعاتنا او مجالسنا او أعمالنا، وحتى في اُسلوب حوارنا، فاليوم كما تقول أ.د. وسمية المنصور، استاذة اللغة العربية في جامعة الملك سعود بالرياض، بأنه دخل علينا ما يعرف اصطلاحا بمفهوم «العربيزي» وهو عبارة عن كتابة النص العربي باللغة الانجليزية، وتم بذلك تغيير حروف اللغة مثل حرف العين«ع»اصبح يأخذ الرمز «3» وحرف الطاء «ط» يأخذ الرمز «6» وهكذا، ان هذا الامر له ابعاد خطيرة على اللغة واستخداماتها ، فعندما نبتعد عن اللغة العربية فالنتيجة الحتمية ستكون الابتعاد عن هويتنا وديننا. فبذلك يتم فصل الفرد عن دينه ومن ثم فصل الدولة كلها عن الدين.
ويجب علينا في هذا السياق، أن نشير الى ان الحضارات والمجتمعات القديمة والحديثة، يقاس نجاحها وتطورها كلها بإنجازاتها التنموية والتكنولوجية والعسكرية والثقافية والعلمية، إلا الحضاره الاسلاميه تقاس بمدى تمسكها بدينها لأن تمسكها بدينها يجعلها تتميز بكل الفنون والعلوم وتحقيق متطلبات التقدم والإزدهار والتاريخ خير دليل على ذلك.
الشاهد من ذلك كله، أننا وبكل أسف أصبحنا ننجرف إلى تلك المداخل والأطروحات وننفذها دون وعي أو أدراك، مما سيؤدي في نهاية الأمر إلى علمنة المجتمعات الاسلامية، وفصل الأفراد عن مرجعيتهم، فبذلك تسود قيم الإستهلاك، والشهوة، والمادية، والأنا، وهي قيم علمانية بحته، إنه لواقع مؤلم جداً، وهذا ما يذكرني بقول سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله)
ولكني في نفس الوقت أراهن على فشل ذلك المشروع مستنداً على سلامة فطرة المسلم، وكذلك قول الله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).