النظم الإدارية (المتخلفة) في الدولة تغرق الناس دوماً فيما يجب ألا يغرقوا فيه، وتشغلهم فيما يجب ألا ينشغلوا فيه، وتذهب بوقتهم سدى فيما يجب ألا يخسروه فيه.
النظم الإدارية المتخلفة في الدولة تفاقمت الحالة الروتينية فيها، وسالفة (كتابنا وكتابكم) صارت (توقيعنا وتوقيعكم) ثم (ختمنا وختمكم) و(مندوبنا ومندوبكم).. وحتى عندما دخلت التكنولوجيا طوعناها وفق رؤيتنا العقيمة وقلنا (ايميلنا وايميلكم) وهكذا دواليك.. دوامة لا تنتهي من المعاملات نعيش فيها.. ولا يتخلص منها المرء إلا عندما يموت.. فيتولى أهله إنجاز ما تبقى من المعاملات والروتين لدفنه!
الإنسان صار يجب عليه أن يعيش في حالة تدقيق دائم للمواعيد والتواريخ تقترب فيه من حالة مرضية تسمى (الوسواس القهري) وهي وسوسة تقهر إرادة الإنسان وتتغلب على المنطق وتفرض نفسها عليه، يجب عليه أن يشيّك على تاريخ تجديد تأمين السيارة ودفتر المرور، تاريخ صلاحية رخصة القيادة، تاريخ البطاقة المدنية، تاريخ الإقامة والتأمين الصحي للوافد.. وتاريخ الإقامة والتأمين الصحي للوافد العامل لدى كويتي وتاريخ بطاقة وإقامة وجواز الخادم أو الخادمة، ثم جاءنا تاريخ صلاحية جواز السفر غير المربوط تلقائياً بتاريخ انتهاء الإقامة!
ونادراً ما يخلو منزل في الكويت من خادمين أو ثلاثة على الأقل ناهيك عن معاملات من سيسافر ومعاملات فيزا وإقامة وفحص طبي لمن يحلّ بديلاً.
ونادراً ما تجد في منزل أقل من سيارتين أو ثلاث سيارات، وعليك بتواريخها كلها وإجراءاتها.
وعندك تواريخ الرخص التجارية إذا كنت من ملاك المحلات التجارية وتواريخ ما يخص العاملين فيها وتواريخ دفع فواتير المياه والكهرباء ومراجعة أملاك الدولة إن كان لديك شاليه أو مزرعة أو استثمار على أرض من أراضي الدولة.
هذا عدا عن ضرورة التشييك الدائم لتأشيرات السفر، هذه شينغن وتلك تأشيرة دخول بريطانيا وتلك الى الولايات المتحدة الأمريكية.
في تجربتي الأولى مع انتهاء جواز الخدم قبل سنوات، أنجزنا استبدال جواز خادمة لدينا واكتفينا بذلك دون أن نعلم أنه من الضروري نقل الإقامة من الجواز القديم الى الجديد، ظننت الأمر مثل فيزا دخول الدول.. إذا انتهى جوازك ولم تنتهِ الفيزا.. يكفي أن يرى الموظف المسؤول الجواز القديم المنتهي الصلاحية فيسمح لك بدخول بلاده.. ظننت الأمر في بلادي كذلك بمنتهى البساطة!!، وعند سفرنا الى لبنان في تلك السنة فوجئت بغرامات تفوق 300 دينار تراكمت عليّ باعتبار الخادمة مخالفة للإقامة التي مازال تاريخها سارياً.. ونحمد الله أن المدة كانت قصيرة وإلا لتضاعف المبلغ مراراً.
شركات التأمين في الكويت تغلبت على المشكلة التي تخصها منذ زمن عبر تطبيق نظام الرسائل النصية الهاتفية الى العملاء تنبههم عبرها إلى قرب انتهاء التأمين وبالتالي دفتر السيارة، وهناك مؤسسات خاصة أخرى كثيرة اتبعت ذات الأسلوب مع الزبائن لتطوير الخدمة وإراحة الزبون الذي يقرر حينها الاستمرار معها من عدمها.
ولكن الحكومة لدينا يبدو أنها لا تكتفي بأنها (لا تريد) تطوير نفسها ولكنها تتفنن في ابتكار الوسائل المؤدية الى تجذر مرض الوسواس القهري في نفوس الناس، وإلا لماذا لا تربط الداخلية أصلاً مدة إقامة الوافد بصلاحية جواز سفره، فلا تعطي عامين إلا لمن في جواز سفره صلاحية عامين، أو إن لم يكن ذلك عملياً تعمل بنظام التنبيه بالرسائل النصية لتحذير الناس وتذكيرهم.. بدلاً من إضافة مشاغل الى المشاغل وتعقيدات الى تعقيدات الحياة اليومية؟!
ماذا سيضر وزارة الداخلية لو طوّرت نظمها الروتينية وابتكرت وسائل للتجديد الالكتروني، وماذا يضر كل الجهات الرسمية في الدولة لو فعلت ذلك؟!
أيها السادة.. انتهى زمن الطوابير لإنجاز المعاملات الرسمية في العالم خصوصاً في المسائل التافهة والدورية ويجب على الدول أن تطور نفسها أو تسلم الأعمال الى جهات أخرى قادرة على ذلك.