عند طرح مسألة حرية الرأي، اعتقد ان المعضلة هنا اننا لا نفرق على الاطلاق بين الرأي، الذي هو كما جاء في احد نقاشات الدستور «التعبير عن خلجات النفس»، والشتم او القذف بقصد الاهانة والتحقير. ونحن مع الاسف نعتبر «النقد» سباً وشتماً.
مع ان النقد هو في حقيقته تقييم قد يؤدي الى مدح الجهة المقيمة وليس بالضرورة ذمها. والمعضلة الاكبر ايضا اننا هنا لدينا تحصين وتعظيم لكل شيء. فالدين بكل رؤوسه محصن. فالذات الالهية والانبياء والكتب واليوم الاخر والجنة والنار، وزوجات الرسول والصحابة واحاديثهم وسيرهم مصونة ومحصنة. وفوق كل هذا فان التقديس يمتد ليشمل الوالدين وكبار السن والقادة او المسؤولين ايا كانوا والمعلمين، «من علمني حرفا صرت له عبدا». وكل مسؤول او ذي سلطة ايا كانت.
لذلك، ليس في امكان اي فرد وفقا لعاداتنا وتقاليدنا ان يعبّر عن رأيه في حرية. فالتعبير عن الرأي هو في الواقع جريمة ما لم يكن مديحا واشادة بما ومن يشمله الرأي. ليس في الامكان طرح رأي مخالف دون معارضة واضحة للرأي السابق، وبالتالي الانتقاص من صاحب ذلك الرأي. وليس في الامكان نقد الواقع المريض والمتخلف دون المساس بمن يجتهد للحفاظ عليه والتمسك به.
لهذا نحن نعتبر كل تعبير عن الرأي جريمة. فالتعبير عن الرأي معني بالتغيير والتحرر من الموروث، واغلبنا او المهيمن والمسيطر منا معني بالحفاظ على هذا الموروث والتمسك به.
لو وصفت شخصا بانه محافظ فإن ذلك مقبول، وفي بعض الاحيان يعد مدحا، فهو محافظ على «دينه وارضه وعرضه» حسب الفهم العام. لكن لو وصفته على حقيقته بانه «متخلف» عن الركب الحضاري فإن هذا يعتبر سبا وقذفا تحاكم وتعاقب عليه! اي ان القوى المهيمنة اجتماعيا وسياسيا لا تزال هي المسيطرة، وهي ولا احد غيرها تحدد الفرق بين حرية الرأي والسب او القذف. وطبعا عند هذه القوى، فان كل ما يتعرض لها ولمعتقداتها سب وقذف من الضرورة تأديب وتعنيف من يمارسه. حرية الرأي هنا كما حدد السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى ليست مطلقة. «بل لها حدود وضوابط»، اهمها بالطبع الا تتعرض لاحد! لكن كيف لك ان تعبّر عن رأيك دون ان تتعرض لرأي الاخرين ومعتقداتهم وما يؤمنون به. الطرف الاخر ليس لديه مشكلة هنا، فالاخر منحل وفاسق وفاجر، وهذا ليس سبا ولا قذفا ولا حتى تعبيرا عن الرأي، بل هو نصيحة وموعظة، امر بالمعروف ونهي عن المنكر علينا ان ندفع ثمنه في بعض الاحيان!