الواثقة بجمالها لا تحتاج إلى كل هذه الأصباغ على وجهها، ولا تحمّل وجهها ما لا طاقة له به من قطع الغيار، كالرموش ووصلات الشعر وغيرها، هي تكتفي بربط شعرها، أو تسرحه على عجل، وترتدي ما لاق ولامس المذاق، وتخرج بلا كركبة، فتبهج الأنظار، وتسلب عقول الأخيار والأشرار.
غير الواثقة ترتدي فستان سهرة حتى في المقهى، تستجدي كلمات المديح، وتتسول نظرات الإعجاب، التفاتة من هنا ترضي غرورها، ونصف ابتسامة من هناك تضاعف سرورها.
الواثق بنفسه وشخصيته، يتعامل مع المحيط بهدوء، فيكرم ضيفه بلا مبالغة، ويهب للنجدة بصمت، ويتعاطف ثم يترجم تعاطفه بلا ضجيج.
ومن لا يثق بنفسه، يحمل على ظهره مزودة مملوءة بالرياء والفشخرة والمبالغة، فيسرف في إكرام ضيفه، ويتحدث عن فزعته وعن تعاطفه بضجيج يزعج الرعد.
الشهم، إن تمكن من عدوه تسامى وعفا (عد إلى قصة فتح مكة وقرار الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء)، وإن غلب رحم، وتملكته العاطفة.. شهامته تردعه عن كثير مما تحب الأنفس، و«عرق وجهه» يفرض عليه السير أحياناً في الدروب الوعرة.. وهو، مع هذا، لا يُظهر شهامته للآخرين، ولا يرائي بها.
والنذل الخسيس، إن تمكن نكّل، وإن قَدَرَ لم يرحم، ولم يعطف، ولم يهتز لبكاء طفلة، ولا نحيب امرأة، ولا دمعة مقهور، لا رادع لمطامعه وجشعه، ولا عرق في وجهه يحرفه عن السير في دروب الخزي والسفالة.. ومع هذا تجده يفاخر بطيب معدنه، ويدفع للأجراء ليمتدحوه ويتغزلوا بـ «شهامته المتخيلة»، ويبالغوا.
الدولة الواثقة بنفسها وشعبها لا تبالغ في الأغاني الوطنية، ولا في الحديث عن تدينها وتقواها، ولا عن وحدتها الوطنية، ولا عن عدلها وتسامحها، ولا تردد جملة «تطبيق القانون».
الدولة غير الواثقة بنفسها، تقف على «رأس العاير» تمضغ العلكة، وتضع يديها على وسطها، وتردح، للمارة وعابري السبيل، عن مبادئها وعدلها و«شرفها».