يمثل مركز صباح الأحمد لأمراض الكلى والمسالك البولية وجهاً مشرقاً للكويت في نوعية الخدمة الصحية التي تقدم للمرضى، وفيه أسلوب إدارة حضاري لمتابعة الحالات المرضية وتنظيم مواعيد المراجعة، فمبنى المركز، الذي تطل غرفه على الشاطئ، يبعث بعض البهجة في روح المريض، مادامت شبابيك الغرف مغلقة، حتى لا تشتم منها روائح العطن (الصيانة) بسبب مياه المجاري الملوثة التي ظلت ترمى في بحرنا الجريح لعقود ممتدة من الإهمال واللامبالاة، لكن يبقى المركز نقطة مضيئة في عالم الرعاية الصحية بالدولة.
هذا المركز الحضاري تم إنجاز بنائه الجميل وتأثيثه بأفضل المعدات الطبية في فترة وجيزة، وتتمنى في قلبك أن تنجز كل مشاريع الدولة المتوقفة، والتي تراوح مكانها لأخطاء سوء الإدارة وعقد البيروقراطية السيئة والفساد بطريقة إنجاز مركز صباح الأحمد. السبب في هذا الاستثناء الكويتي هو أن المركز، وأتصور أن هناك بعض المشاريع تماثله، تم بناؤه وإنجازه عبر الديوان الأميري، لا من خلال وزارة الأشغال ولا عقدها وعقد إجراءاتها في المناقصات، و”تفصيلها” في كثير من الأحايين على مقاس بعض الذين “انتم خابرينهم”، وتحلم بأن تحل وزارة الأشغال، ومعها بلدية الكويت، التي لا يحمل فسادها البعارين، جملة وتفصيلاً، وتسلم مشاريع الدولة، من مستشفيات منسية ألغيت مناقصاتها أو توقفت دون مقاضاة المسؤولين فيها لأسباب “انتم خابرينها”، وغيرها من أمور في بلد الحال الواقف، لتسلم بداية ونهاية إلى الديوان الأميري كي ننتهي من هذا الصداع.
“ستوب” توقفوا، فهذا أمر لا خلاف عليه، فمثلاً في دول شرق آسيا في مرحلة تاريخية سابقة، تم بناء دول عصرية وصناعية متقدمة، وتم تحديث الدولة في وقت خيالي قياساً على غيرها من الدول، والسبب هو الحسم السريع من القيادة، وعدم وجود جماعات الضغط والمصالح والمنافسة التي تتواجد في كثير من الدول الحديثة العهد بالديمقراطية، وكانت القيادات، في تلك الدول، متسلطة بطبيعتها، خذوا مثلاً الصين، فيتنام، سنغافورة…، لم توجد عراقيل تقف أمام قفزات التقدم للأمام مثل التي وجدناها في دول مثل أميركا اللاتينية، ومثالها المكسيك أو الأرجنتين… هي متسلطة لكن، بشروط، فدول شرق آسيا عادة، تنتج قياديين مخلصين في الإدارة، وثقوب الفساد التي يمكن أن يلج منها الفاسدون قليلة، سواء كانت تلك الثقوب في أثواب نظام انتخابي وعبر صناديق الاقتراع أم في خيم نظام تسلطي فاسد مثل الكثير من الأنظمة العربية والإفريقية.
وكنت سأمضي بعالم الأحلام، عن العصا السحرية للديوان الأميري كي يحل مكان وزارة الأشغال، لكن استيقظت فجأة بحكاية أحد معارفي، يقول إنه حصل بالقرعة على قسيمة زراعية بالوفرة، وفرح بها لأنها حسب المخططات تقع على الشارع، لكنه عرف في ما بعد أن قسيمته وقسيمة جاره ليستا على الشارع، فقد خصصت المساحة الفاصلة بينهما وبين الشارع للديوان الأميري، كي توزع القسائم في ما بعد على الجماعة الذين “انتم خابرينهم”، حكاية صديقي وقسيمته الزراعية ذكرتني بحكايات مثلها، عن بعض المستثمرين الكويتيين في زمن مضى حين اشتروا أراضي مقابل ساحل البحر مباشرة في دولة شقيقة، وفي ما بعد عرفوا أن أراضيهم الاستثمارية لم تعد مقابل الشاطئ، فقد ردم الساحل، والسبب كان الجماعات “اللي انتم خابرينهم”.