لم توصف الصحافة بالسلطة الرابعة عبثا، فتأثيرها يوازي تأثير باقي السلطات، وتفوقها في الدول المتقدمة، فدورها يكمن في الرقابة عليها إضافة لمهمتها التنويرية، وتأثيرها الإيجابي في الرأي العام وقدرتها على تشكيل رؤاه ومواقفه اتجاه الأحداث الجسام. ومن هذا المنطلق قمت قبل فترة بالإعلان عن نيتي التقليل من الكتابة في الشأن المحلي إلى الحد الأدنى، خاصة في ما يتعلق بالأداء الحكومي أو انتقاد الأوضاع المحلية واقتراح الحلول لمشاكلنا، بعدما تبين لي، بعد أكثر من عشرين عاما من الكتابة اليومية، أنني كنت أحرث في البحر، من دون نتيجة تذكر.
وقلت انني سأركز، في كتاباتي مستقبلا، على القضايا الاجتماعية، ولفت النظر الى مخاطر التطرف الديني، والتحذير من الخزعبلات والأفكار الهدامة، والمطالبة بتنظيف المناهج الدراسية من الآراء المتطرفة، وفضح اصحاب الأفكار الرجعية والمتاجرين بالدين، والحد من نفوذهم المتنامي. ولكن هنا أيضا اكتشفت فشلي في مهمتي، بسبب رفض القبس المتكرر نشر العديد من مقالاتي التي تصب بصورة أساسية في اتجاه القضايا التنويرية، ولفت النظر الى ما تعانيه مجتمعاتنا من اوهام وخرافات وعادات سيئة ومفاهيم مقلوبة.
وجاء رفضها إما من منطلق تعارض مضمون تلك المقالات مع سياسة الجريدة وخطها العام، وإما بسبب الرغبة في عدم «تكدير خاطر» الذين جثموا على صدورنا لعدة عقود، وتسببوا في إيصالنا الى هذا الدرك الأخلاقي المتدني. وبالتالي وجدنا، على ضوء فشلنا في مهمتنا «التنويرية» أن لا جدوى هنا من الاستمرار في المعاناة اليومية المرهقة، خاصة أننا نكتب بغير مقابل، إن كانت كتاباتنا لا تجد طريقها للنشر في صحيفة ذات نفَس ليبرالي حر كـ القبس، ولا نود أن نقول «فما بالك بغيرها»؟! وسيكون توقفنا نهائيا اعتبارا من بداية السنة الجديدة، وبعد الانتهاء من نشر ما قمنا بكتابته مسبقا من مقالات، شاكرين، بامتنان كبير، سعة صدر رئاسة تحرير الجريدة، ومسؤول صفحات المقالات الأستاذ جمال حسين، وكل من وقف معنا في مشوارنا الصحافي المتواضع، مع اعتذارنا لقرائنا، راجين تفهُّم موقفنا المبدئي، فالكتابة الملتزمة ليست تسلية، خاصة لمن هم بتواضع قدراتنا، بل هي معاناة ورسالة اجتماعية ووطنية. وفي ظل صعوبة تحقيق أي من هذه الأهداف تصبح الكتابة بلا معنى، وبالتالي من الأفضل إفساح المجال لمن سيسعدهم حقا خبر تراجعنا، وانتصارهم، ولكن التاريخ لن يرحم أحداً!
ملاحظة: لو التفتت الحكومة يوماً لواحد في المئة مما كتب في الصحافة، على مدى الأعوام العشرين الماضية، لما أصبحنا بهذا الوضع السياسي والأمني والاقتصادي المزري.