مؤتمر القمة الخليجي الأخير في الدوحة شهد مفارقةً تدعو إلى التأمل، ففي حين كانت الأنظار تُركِّز على حل الخلاف الأكثر حدةً بين غالبية دول المجلس، تسلل إلى الحياة، دون مقدمات، مخلوق جديد، أُطلِق عليه “إعلان حقوق الإنسان لدول مجلس التعاون”.
جاء الإعلان في 47 مادة، تضمنت إشارات مهمة، البعض منها إيجابي ومُرحَّب به، خاصة أن الإعلان صدر عن قادة دول المجلس، كما أن مواده حسمت قضايا خلافية ومثيرة للجدل في علاقة شد وجذب بين المنظومة الخليجية وبين المنظومة الحقوقية العالمية لمصلحة الأخيرة، حيث أكدت الديباجة التزامها بما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، وإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، والمواثيق والاتفاقيات الدولية والإقليمية ذات الصلة.
وجاءت المادة الأخيرة رقم 47 لتؤسس مبدأً مهماً، إذ أكدت أنه “لا يجوز تفسير هذا الإعلان أو تأويله أو تعديله على نحو ينتقص من الحقوق والحريات التي تحميها التشريعات الداخلية لدول المجلس والمواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها أو انضمت إليها دول المجلس”.
من حيث الشكل هناك أكثر من ملاحظة جوهرية، فالإعلان، هو إعلان مبادئ غير ملزم، ولا توجد فيه آليات إلزام للدول الأطراف، وبالتالي لا حاجة إلى الحديث عن اشتراطات وإشارات للقوانين المحلية. وربما يشار إلى تلك الاشتراطات عندما يتحول الإعلان إلى اتفاقية، حيث إن الاتفاقية ملزمة والإعلان ليس كذلك.
في الإعلان المذكور ذكرت اشتراطات قانونية في 16 مادة، وهو وضع مخل من حيث الشكل، وكذلك من حيث الشكل كان تكرار كلمة النظام ووضع القانون بين قوسين ليس لهما داعٍ. نعرف أن ذلك كان للتناغم مع التسمية السعودية للقانون، حيث يطلق عليه “نظام”، ولكن كان بالإمكان استبدالها بكلمة “تشريعات” لتحقيق التوافق كما جرى في المادة 47.
كذلك من حيث الشكل ومن واقع خبرة طويلة في المشاركة بإعداد اتفاقيات أو مواثيق دولية، فإن القارئ لنص الإعلان يدرك بوضوح حجم المعاناة التي مر بها من قام بصياغته، وحجم التعديلات، وتعديلات على التعديلات، لدرجة الابتسار أحياناً.
إلا أن الموضوع يتجاوز بالتأكيد المسألة الشكلية بكثير، ويصل إلى مدى إمكانية تطبيق هذا النوع من المبادئ وقدرة دولنا على تحويل تلك المعايير من الورق إلى أرض الواقع لكي تصبح متسقة مع المعايير الدولية، لا قولاً فقط، ولكن فعلاً، ذلك بالتأكيد ما نتمناه، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وللحديث بقية.