يتركز الاهتمام هذه الأيام على معرفة تفاصيل ‘الفضيحة’ وأبطالها وأدلتها، وهذا أمر طبيعي جدا. إلا أن ‘الفضيحة’ التي يتحدثون عنها ليست من قبيل الفضائح الشخصية التي يرتد أثرها، حين انكشافها، على أبطالها فقط. بل نحن، كما يبدو، أمام ‘فضيحة سياسية’ خطيرة، لها أبعاد اقتصادية وسياسية محلية وإقليمية أيضا. ومن هنا فإن اهتمامنا بالتفاصيل يجب أن يتعدى حدود دائرة إشباع الفضول، وأن نفكر ونتدبر في كيفية الاستفادة من انكشاف هذه الفضيحة السياسية.
لقد كان الحراك السياسي الشعبي خلال السنوات الأربع الفائتة يستهدف الإصلاح والتغيير السياسي وتطوير إدارة الدولة على نحو يتيح للشعب تحقيق سيادته وهيمنته على قراره وثرواته. وإذ نجح الحراك في جانب وفشل في جوانب أخرى، فإن الفرصة الآن مواتية لاستعادة الحراك قوته وانطلاقه من جديد بعد صياغة أهدافه العامة وتبنيه لبرنامج إصلاحي واضح ومحدد.
إن ‘الفضيحة’ التي انتشرت بعض تفاصيلها، هي ليست نتاج ‘تآمر’ أشخاصها ولا ‘جشعهم’ ولا جموح طموحهم الشخصي فقط، بل هي نتاج منهج الانفراد بالسلطة، وهيمنة الفساد أيضا… هذه هي البيئة التي نمت فيها ‘المؤامرة’ وترعرعت.
إن ‘أبطال’ الفضيحة السياسية ليسوا من خارج دائرة السلطة، ولا هم من خصومها، ولا من بين أنصار ‘المعارضة’، بل هم من أبناء السلطة وحلفائها… من أركانها… من حضنها… هم من وسطها… هم من بين من استفادوا إلى الحد الأقصى من السلطة، هم باختصار من بيت السلطة. لذلك، فإن التكتم والتستر أو الاستنكار و’الشماتة’ ليس هو التعامل الصحيح مع هذه الفضيحة، بل العمل الجاد على الإصلاح والتغيير.
إن الفضيحة السياسية، بالنسبة لي، ليست سوى دليل إضافي على وجوب التخلص من منهج الانفراد بالسلطة ومخاصمة الشعب.
والآن، وبعد أن ثبت لكم، أن الخطر على الكويت وعلى نظامها السياسي وعلى ثرواتها وعلى شرعيتها يكمن في غرفكم المغلقة، ماذا ستفعلون؟ إن محاولة التستر لن تجدي، فالفضائح، كما الماء، تجد طريقها للتسرب دائما، والمسألة ليست من قبيل الشأن الخاص للشيوخ، بل هي شأن عام بحت.
إنني، وبصفتي مواطن عادي، وعلى ضوء ‘الفضيحة’، أطالب بالتالي، كحد أدنى:
أولا: اطلاع الرأي العام على كافة التفاصيل، ومحاسبة كل من تورط في الفضيحة
ثانيا: حل مجلس الأمة الحالي
ثالثا: إلغاء نظام ‘الصوت الواحد’ وعودة العمل بنظام ‘الأصوات الأربعة’ وإجراء انتخابات جديدة للبرلمان في الموعد الدستوري من دون تدخل من أفراد في أسرة الصباح وبإشراف دولي جدي
رابعا: تشكيل حكومة برلمانية بعد الانتخابات
خامسا: تطهير كافة مواقع القرار من أنصار ‘المتآمرين’ أيا كانت، ومحاسبتهم
سادسا: التصالح مع الشعب وإسقاط كافة قضايا الملاحقات السياسية ووقف رعاية الفساد والمفسدين والفاسدين
إن المطالب السابقة، باستثناء الأول منها، هي مطالب مستحقة دون الارتباط ‘بالفضيحة’، لكن اليوم جاءت مناسبة لتكرارها.
إن الشعب اليقظ الواعي هو الشعب الذي يخلق الفرصة للتغيير… أو على الأقل، يستغل الفرص التي تظهر أمامه من أجل التغيير نحو الأفضل، وأظن أن الفرصة الأهم قد لاحت!
إن الشعوب لا تحظى، عادة، بفرص متلاحقة… لذلك أدعو القوى السياسية والشخصيات العامة إلى التفاعل السياسي مع الموضوع، ففي بعض التريث والحذر… خسارة!
‘You can avoid reality, but you cannot avoid the consequences of avoiding reality.’
وأكتفي اليوم بهذا الحد، وللمقال بقية بإذن الله،،،