في إحدى جلسات المجلس التأسيسي بالكويت سنة ١٩٦٢، الذي وضع الدستور، رأى أحد النواب أن منع التعذيب بالمطلق غير ممكن وغير واقعي، وإلا فكيف يمكن الحصول على معلومات دون تعذيب؟
واقع الأمر أن رأي النائب كان عابراً، فقد منع الدستور الكويتي التعذيب منعاً باتاً ونهائياً، وجاءت القوانين متسقة مع أبيها “الدستور”، ثم انضمت الدولة برمتها إلى اتفاقية مناهضة التعذيب الأممية في ١٩٩٤، وبالتالي فإن أي ممارسة للتعذيب عندنا هي مخالفة للقانون، فضلاً عن مخالفتها للدستور.
والتعذيب هو “أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسدياً كان أو عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما، بقصد الحصول من هذا الشخص على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه، أو تخويفه أو إرغامه، أو لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية…”، و”لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب”، حسب المادة الأولى والثانية من الاتفاقية.
من هذا المنطلق، وفي إطاره، يدور الصراع حول “شرعنة” التعذيب. فمن يؤيد جواز التعذيب في حالات استثنائية نجده في أعلى الهرم السياسي. لذا كانت أهمية تقرير التعذيب الذي أصدرته لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي، وجاء في ٦٣٠٠ صفحة، حيث صرحت رئيسة اللجنة السيناتور ديان فاينستين بأن “التعذيب يتعارض مع روح بلادنا”، كما صرح السيناتور جون ماكين بأن “التعذيب قذارة تشوه الشرف الوطني الأميركي”.
ويبدو أن الأمر آخذ في التطور، حيث أصدرت البرازيل مؤخراً تقريرها الوطني عن التعذيب، وربما تقوم دول أخرى بفعل مماثل، لإثبات أن حل جريمة التعذيب لن يتم إلا بكشفه بشفافية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، ومحاسبة المسؤولين عن التعدي عليهم. وبدون التصدي بجدية لجريمة التعذيب سيفلت مرتكبوها، ويتمتعون بحماية النظام.