هذا ليس مقالا عن أو ضد مسؤول بعينه، وزيرا كان أم وكيلا، بل هو عن وضد طريقة إدارة مؤسسات الدولة ككل، بعد أن تآكل النظام الإداري واصبح انهيار كامل منظومة القيم، التي كانت تحكمه وتحكم تصرفاته وتصرفات موظفي الدولة، وحتى تصرفاتنا كمواطنين عاديين، على مدى العقود القليلة الماضية، أمرا محتما، وبالتالي أصبحنا أكثر قربا لمستوى الدول الفاشلة. فليس هناك وزارة أو إدارة أو هيئة أو مصلحة أو مركز أو جهة في الدولة لم ينخرها سوس الفساد، أو يسودها الإهمال وعدم الإحساس بالمسؤولية، ويغزو التسيب كل زواياها. ان ما يحدث من إهمال واضح وتعمد فاضح في محاسبة المخطئ والمسيء وحتى المجرم، والعجز عن مكافأة المخلصين، على قلتهم وتضاؤل أعدادهم، أمر محزن جدا. وبالتالي لا أمل في اي علاج سياسي او اقتصادي أو تعليمي قريب في ظل غياب الرغبة والرؤية، بعد أن خرجت الأمور عن سيطرة الجهة المعنية والمهيمنة على كل أنشطة الدولة وامورها، وتأكيدا على ذلك اجتماع مجلس الوزراء الذي عقد قبل أيام للاطلاع على نتائج الدراسة الشاملة التي قام بها البنك الدولي لدفع مسيرة التنمية والإصلاح في الكويت، وما توصلت اليه من تشخيص للمشاكل والمعوقات التي تعترض المسيرة، وكيف أُهدرت فرص عديدة، وما تسبب فيه ذلك من اهتزاز الثقة بالحكومة وتعثر عملية التنمية وإضعاف الاقتصاد ككل! ولكن ما يعرفه كل الاعضاء في مجلس الوزراء، وغيرهم، أن هذا الكلام تكرر في تقارير عشرات اللجان السابقة وفي مقالات ومحاضرات خبراء ماليين واقتصاديين وسياسيين، ولكن جميعها انتهت لسلال القمامة، دون ان يكلف أحد نفسه عناء قراءة حتى عناوينها، دع عنك فهمها أو استيعابها! والغريب أن برنامج البنك الدولي نفسه المتعلق بما يتطلب الأمر القيام لإنجاز الإصلاحات المنشودة، كان تكرارا لما قاله قبل 20 عاما تقريبا!
إن الوضع خطر ومؤلم ومؤسف، وما تبقى من قلة مخلصة في طريقها للاضمحلال،أو الانضمام لجيش الفاسدين والمخربين أو لطابور غير المكترثين! ولا نود هنا زيادة شعور القارئ بالبؤس واليأس من وضعنا العام، ولكن من المهم أن نذكر أنه حتى أقل الناس تعليما أو إدراكا، شعر بعد قراءة آلاف المقالات الهادفة، على مدى ثلاثين عاما على الأقل، أن هناك خللا في آلية العمل الحكومي، ومع هذا لم تؤثر آلاف المقالات تلك في طريقة إدارة الدولة من قبل الحكومة، وبالتالي من حقنا أن نتساءل عن جدوى كل هذا النقد وكل هذه النصائح، وكل هذه المطالبات بإصلاح الوضع أو حل هذه أو تلك المشكلة، إن كان المعني بالأمر غير قادر على الإصلاح، او غير مكترث، أو غالبا غير قارئ لما يكتب؟!
وعليه سنقوم فيما تبقى لنا من «عمر كتابي» بتقليل التطرق في كتاباتنا مستقبلا للأوضاع المحلية أو نقدها، بعد أن توصلنا لقناعة بأننا إن كتبنا أو سكتنا فالأمر سيان. وللعلم فقد كتبت هذا المقال قبل شهر تقريبا، واجلت نشره، لعل وعسى، ولكني لم أجد غير الأسى. حسافة عليك يا كويت!
أحمد الصراف