احتفل العالم المتمدن، أخيراً، ومن واقع إحساسه بالمسؤولية، بيوم الماء العالمي! وتخصيص يوم لهذه المادة الحيوية له دلالاته لما للماء، بعد الهواء، من أهمية قصوى في حياة الإنسان. وبسبب عدم تمدننا، فإن تلك المناسبة لم تعن لنا شيئاً، كما أن احترامنا لهذه المادة في تناقص مستمر، واستهلاكنا في تصاعد جنوني، بحيث تصدرنا دول العالم في معدلات الاستهلاك، ولم نخجل في الوقت نفسه من إقراض مدينة صغيرة في الأرجنتين مبلغ 52 مليون دولار، لكي تقوم بتنقية مياهها وجعلها صالحة للشرب، وإعلان بلدية الكويت في الأسبوع نفسه عن اكتشاف وجود مواد غير صالحة للاستهلاك البشري في قناني مياه شركة كويتية! وكالعادة لم يتم الإعلان عن اسم الشركة، أو التحذير من استهلاك مياهها، واستمر بيعها في الجمعيات التعاونية، كما في حوانيت البلدية وفي مجمع الوزارات!
والحقيقة التي لا يود الكثيرون الإقرار بها أن المياه التي تصل إلى منازلنا من خلال الأنابيب هي أفضل من غيرها للاستهلاك البشري، شريطة إخضاعها لعملية فلترة بسيطة، خصوصاً إن اتبع في التصفية طريقة الـ Reversal Osmosis «رفيرسال إسموزس»، لكونها عملية وأرخص من غيرها، ولدى الشركات التي تعمل في مجال تنقية المياه معلومات كاملة عن فوائد هذه الطريقة، أو عيوبها إن وجدت! ولكننا نفترض هنا أن مياه البحر التي تقوم الحكومة بتحويلها إلى مياه شفة ستبقى على حالتها الحالية، ولن تتزايد معدلات ملوحتها مستقبلاً، أو ترتفع كلفة تحليتها إلى مستويات غير مقبولة، وأن الخليج غير معرض مثلاً للتلوث نتيجة كارثة بيئية أو صناعية. وهذا بالطبع افتراض ساذج، فكل هذه الاحتمالات واردة، وبالتالي من الخطورة حقاً الاكتفاء بالاعتماد على محطات تصفية أو تقطير دون بدائل استراتيجية أخرى، ومن الضروري التفكير في احتياجاتنا المستقبلية من المياه بطريقة عملية أكثر، علماً بأن البدائل موجودة، ومنها الاستعانة بالطاقة الشمسية في التصفية، إضافة إلى التفكير الجدي في البحث عن مصادر أخرى للمياه أكثر فعالية وديمومة من محطات التصفية الحالية، عن طريق استيرادها من الخارج بكميات كبيرة وتخزينها بطريقة عملية. فهذا التصاعد الحالي الكبير في عدد السكان يتطلب حلولاً جذرية واستراتيجيات مستقبلية يمكن الاعتماد عليها في تلبية حاجات الدولة المتزايدة من هذه المادة الحيوية، وليس تناسي المشكلة وكأن لا وجود لها.
أحمد الصراف