في الحقيقة، يصل البعض إلى درجة من الإفلاس المثير للضحك والشفقة في آن واحد. هذا «البعض»، حين يستهدف الصحافيين والإعلاميين من الزملاء ممن لا يتمكن من مجاراة أفكارهم ومقالاتهم المتميزة التي يختلف مستواها عن مستوى جماعته ذوي محبرة الأقلام السوداء النتنة، فيتعمد إلى الإساءة بخبث.
وجدت أن البعض «نبش» وأعاد نشر مقال قديم يعود إلى العام 2008 تحت عنوان: «هل أنت مسئول طائفي؟»، عبث في المحتوى وادعى أنني أطالب بمساءلة المسئول الطائفي من طائفة بعينها فقط! وكم هم أغبياء أولئك الذين صدقوه دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث (عندكم غوغل يا جماعة طمبورها)! وهنا، أعيد المقال وهو منشور بتاريخ يوم الأحد (6 يناير/ كانون الثاني 2008) في العدد (1948):
ترى، ماذا لو تم تنظيم حملة وطنية بإشراف جهة حكومية لتنظيف كل الوزارات والمؤسسات الحكومية، وكذلك الخاصة، من المسئولين ذوي الميول الطائفية والنزعة التفكيكية؟
لنتخيل، مجرد تخيل لا أكثر ولا أقل، أن تلك الحملة، ستفتح المجال أمام جميع الموظفين والموظفات والمواطنين والمقيمين للتقدم بشكاوى موثقة بالأدلة والقرائن للجنة العليا المشرفة على الحملة ضد المسئول أو «الشخص» الذي يتمتع بممارسة طائفية في كل تصرفاته، فيميز بين هذا المواطن ومواطن آخر، وينكل بموظف أو موظفة لا تتلاقى انتماءاتهم المذهبية مع أهوائه؟ هل سيكون العدد كبيراً؟ من الطائفتين؟ وهل سيجرؤ المواطن المسكين المتضرر من الممارسات الطائفية أن يخطو هذه الخطوة بكل جرأة وأمان وثقة؟ أم سيطلب العافية وعفا الله عما سلف؟
في ظني، لو قدر لتلك الحملة «الوهمية» المتخيلة أن تتم، لصارت طوابير خلق الله المتضررين من الأفعال الطائفية البغيضة في كثير من المواقع.. وربما، ربما أصبح الوضع شبيهاً بأزمة الشاحنات على جسر الملك فهد! وفي ظني أيضاً، أنه لو خصص لكل مواطن تضرر ذات يوم، أو لا يزال يتضرر، من ممارسة طائفية مدة ساعة كاملة ليتحدث عما واجهه من معاناة، فإن تلك الساعة لن تكفي!
ذات يوم، تحدثت مع واحد من كبار المسئولين عن معاناتنا كمواطنين من استمرار أشكال التمييز الطائفي في كثير من الجهات، وكأن هذه الممارسة الشائنة لا علاقة لها بدستور البلاد وعبارته الرئيسة الكبيرة (المواطنون سواسية)، فما كان منه إلا أن رفض بشدة هذا الكلام مؤكداً أن للمواطن، أي مواطن، الحق في شعوره بإنسانيته ومواطنته وحقوقه، وأن مثل هذه الأفكار من شأنها أن تحدث تأثيراً سيئاً على مستوى العلاقات الاجتماعية! وحين سألته عما إذا كانت العلاقات الاجتماعية تلك التي يتحدث عنها، قائمة على الحقوق والواجبات، وأنه لن ولم يضار مواطن من إقصاء أو تمييز بسبب انتمائه المذهبي ومعتقده، قال: «ولماذا يرضى المتضرر بهذا الوضع؟ لماذا لا يتقدم بشكوى ضد ذلك المسئول الذي سيكون حتماً فوقه مسئول أكبر»… لوهلة، ظننت أن المسألة بسيطة جداً… أنا مواطن، أساء المسئول الطائفي معاملته لي متعمداً، فتوجهت إلى المسئول الأكبر وشكوت له ظلامتي فأعاد حقي! لكن عدت لأقول، أن كل هذا أضغاث أحلام. وفي ظني أيضاً، أن كل مسئول طائفي يعلم، وهو في غاية الاطمئنان، أن لا أحد يجرؤ على الشكوى ضده، وإن حدث ذلك، فإن هذه الشكوى ستكون في عداد الملفات المغلقة، وسيدخل الشاكي في دوامة جديدة وشديدة من التنكيل والتقصد والحرمان من الترقيات حيث سيعمد ذلك المسئول إلى «غسل شراعه» في كل واردة وشاردة، ومع هذا، فما المانع من التجربة؟ كثيرة هي الشكاوى من الممارسات الطائفية الصادرة عن بعض المسئولين في مواقع مختلفة، لكن قلة هم أولئك الذين يرفضون هذه الممارسات ويتبعون الإجراءات والوسائل القانونية لرفض تلك الممارسات!
وبعيداً عن تلك الحملة المتخيلة، على الأقل، يتوجب على المسئول الطائفي أن يراقب الله، ويلتمس العذر لذلك الإنسان الذي يصب عليه جام طائفيته من باب «لقمة العيش»، أما بالنسبة لي، سأتريث قليلاً مع أي مسئول يتعمد الإساءة لي طائفياً.. لكنني لن أسكت عنه طويلاً!».
***
انتهى المقال، لكن لله الحمد، أن فعل أولئك الخفافيش، نفع في إعادة موضوع ذي مضمون صالح في 2014 أكثر منه في 2008.